مواجهة المخبولين

TT

المخبول الذي اعتدى على مفتي مصر الدكتور علي جمعة بعد صلاة العشاء ليس الا صنيعة التوتر الطاغي وتحديدا في محيط الشباب. توتر يصيب متابعيه بفقدان العقل، ولا يوفر احدا ممن يرتاد المواقع المصابة بحمى الشكوى والتكفير من مدارس ومساجد ومواقع دردشة في الانترنت. والاعتداءات اللفظية لا تقل تجريحا عن افعال الذين يريدون تغيير الوضع بأيديهم، كما فعل المخبول الذي سدد لكمات للمفتي الذي كان منغرقا في اعطاء درسه الديني. وسيفجع بعضكم لو قرأ ما يعلق به اناس، يبدو من لغتهم وثقافتهم انهم ارفع مقاما مما يسطرونه من اساءات شخصية لم تترك احدا، حتى الشيخ يوسف القرضاوي، الذي خصصت ضده مواقع كاملة بدعوى انه شيخ متساهل في طروحاته الدينية، ونحن الذين كنا نحسبه متشددا.

ولو ان مشائخنا الكرام جربوا السباحة في مواقع الانترنت لهالهم الأمر وصدمهم من ناحيتين، واحدة: حجمُ رواده الكبير وطغيانُ فكره، والثانية: نقلُ طروحاتهم الى مجتمعهم كشباب بما تعنيه كما رأينا في الاعتداءات المباشرة على رموز المجتمع الدينية والمدنية.

وبالتالي نرى بوضوح كيف ان احدا لا ينجو من مثل هذا الفكر الذي بدأ ضد اهداف سهلة تحت مبررات الدفاع عن الدين، وبلغ التكفير والاحتجاج حد الهجوم على المؤسسات الكبيرة، واخيرا طال التهجم علماء الدين انفسهم. ولا ادري كيف يمكن لمن أطلق فكر التكفير حول قضايا بسيطة ان يوقفه اليوم بعد ان كثرت اشتباكاته وعمت خصوماته. لم يعد هناك علماني او ديني، صغير او مسن، خاص او حكومي، موالٍ او معارض، في امان من نبال الشباب الهائج في الساحة، سواء كان هجوما الكترونيا او عسكريا. لا مفر من ضرورة الاعتراف بحالة الاشتباك الفوضوية القائمة اليوم في ساحتنا، ولا مفر من الاعتراف بخطورة التجريح الكلامي والتكفيري وانه لا يقل خطورة عن جرائم القتل المباشرة. وهذا لا يعني خنق حقهم، وحق الجميع، في الحديث والاستماع بل محاربة الفكر الذي اوصل شابا الى الهجوم في باحة مسجد على مُفتٍ وقور امام تلاميذه.

ولا بد من الاقرار بان دخول العديد من المصلحين والخطباء على الساحة ومحاربتهم الوضع الفوضوي الذي استباح الانفس والحرمات حقق نجاحا ملموسا في مواجهة الاصوات المحرضة. واعتقد ان هذه الجبهة المختلطة الجديدة، التي ولدت في الآونة الاخيرة، تحمل بذرة نقل المعركة من مواجهة الفوضويين والانتحاريين الى توسيع مساحة التفكير وترسيخ مبدأ التسامح بشكل اكبر. وهذا المشروع أهم لأنه يحمي الجميع، لا البعض فقط، ويبني مجتمعا لا تهزه الاختلافات.