لا.. يا مجلس الحكم!

TT

ما كان لمجلس الحكم في العراق ان ينتظر ثلاثة ايام ولا حتى يوما واحدا للتنديد بما كشفت عنه الصحافة الاميركية من اساءات بالغة وسافرة للمعتقلين في سجن ابوغريب. كان عليه ان يستجيب خلال ساعات قليلة ويندّد بأعلى صوت وأقوى لغة واشد نبرة بهذا العدوان الصارخ على الشعب العراقي والتجاوز السافر على كل مبادئ الحرية وشرائع حقوق الانسان. بل كان على مجلس الحكم ـ ويتعين عليه الان ـ ان يطالب بما دعا اليه احد اعضائه، هو السيد غازي عجيل الياور، بأن تقدّم الولايات المتحدة اعتذارا رسميا الى الشعب العراقي والحكومة العراقية والضحايا انفسهم، فهذا اقل ما ينبغي ان تقوم به الدولة التي قام جنودها بهذا العمل الشنيع. لم نعارض نظام صدام حسين لخلافات شخصية مع رئيس هذا النظام واقطابه وانما بسبب سياساته، ومنها سياسة القمع والاستبداد والاضطهاد وامتهان كرامة الانسان ومصادرة كل الحقوق. لقد عارضنا ذلك النظام لاننا لم نكن نقبل بأي ممارسات من هذا النوع ايا كان مصدرها، ومن باب اولى ان نرفضها رفضا مطلقا وان نستنكرها كل الاستنكار عندما تأتي من المحتل الاجنبي. كان يتوجب على مجلس الحكم الذي اغلب اعضائه هم ممثلو معظم القوى السياسية الرئيسية في البلاد التي عانت باشدّ ما تكون عليه المعاناة من قمع نظام صدام واستبداده وارهابه، ان يتمتع بحساسية فائقة لكي يشعر باقصى الاستفزاز تجاه ممارسات العسكريين الاميركيين في سجن ابو غريب، الذي شهد في عهد صدام فصولا مأساوية للغاية من ممارسات التعذيب والحطّ من الكرامة لعشرات الآلاف من المعتقلين والسجناء السياسيين من اعضاء هذه الاحزاب وانصارها، بل حتى من الناس العاديين الذين اعتقلوا جزافا واتهموا باطلا وغاب كثير منهم في المقابر الجماعية. ان ارتكاب نظام صدام فظاعات لا نظير لها في هذا السجن بالذات وفي عشرات السجون والمواقع الاخرى لايبرر ولا ينبغي ان يبرر ما فعله الجنود الاميركيون حتى لو كان الذين اسيئت معاملتهم هم من نفّذ تلك الفظاعات او اشرف عليها.

وما كان لمجلس الحكم ايضا ان يورط نفسه فيرفع لنا علما جديدا لم يكن حتى من آخر مشاغل الشعب العراقي في هذه المرحلة العصيبة من تاريخه التي تمسّ فيها حاجته الى الأمن والاستقرار ووضع حد لاعمال الارهاب التي تسعى لتعطيل انتقاله الى الديمقراطية وابقائه تحت الاحتلال، وتعوزه فيها خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي والمستشفيات والمستوصفات وفرص العمل لملايين العاطلين عن العمل. المشكلة مع العلم الجديد ليست في شكله ولا في الوانه ولا في رموزه وانما في توقيته وفي طريقة اختياره. فالعراقيون عاشوا اكثر من اربعين عاما مع علم لا يمثلهم ولا يمت بصلة الى وطنهم او دولتهم، بل هو علم دولة لم توجد في أي يوم من الايام.. دولة كذبة هي دولة الوحدة الثلاثية (العراق البعثي وسورية البعثية ومصر الناصرية) التي لم تتشكل ابدا باي صورة من الصور، وكانت مجرد مشروع اجهضه حزب البعث خصوصا، كما تؤكد الوثائق الرسمية ومذكرات المسؤولين المصريين والسوريين والعراقيين، بمن فيهم زعماء سابقون في حزب البعث. وما كان سيضير العراقيين ان يبقوا سنة اخرى او سنتين من دون علم لهم لحين تشريع دستور دائم واجراء انتخابات عامة وتشكيل برلمان يختار العلم الجديد والنشيد الوطني الجديد للعراق الديمقراطي بعد طرحهما في مسابقة على الفنانين من اصحاب الاختصاص.