الخطبة المغتربية

TT

هناك الآن جيل جديد من أولاد المغتربين العرب، ممن ولدوا ونشأوا في هذه الدول الغربية واصبحوا يواجهون مشكلة الهوية والانتماء.

تتجسم المشكلة بصورة خاصة في موضوع الزواج، فبعضهم لم يندمج تماما في المجتمع الغربي. لقد تمسك اهلهم بالهوس الشرقي بالشهادات والكسب والمناصب ولم يلتفتوا الى تزويد ابنائهم وبناتهم بما يسمى بثقافة الجنتلمان، وهو التزود بالفنون والآداب والقضايا الفكرية الغربية. يؤدي ذلك الى انفصالهم عن زملائهم الغربيين وانعزالهم عنهم وعجزهم عن الاندماج بهم على المستوى الشخصي. تجد المرأة الغربية مثل هذا الرجل مخلوقا ضحلا متخلفا في سلم الحضارة يصعب عليها الانسجام معه.

ان تكرر هذا الرفض في المجالات العاطفية والحياة اليومية يجرح الشاب الحساس والعصابي فيضعه في اطار عنصري وديني ويعتبره جزءاً من الروح العنصرية والصليبية ضد المسلمين.

يغتلي الغيظ وروح النقمة في نفسه. وانا اعتقد ان هذا العنصر النفسي يلعب دورا في حمل بعض المسلمين من ابناء الطبقة المتوسطة والمتعلمة الى الانتماء للجماعات الارهابية أو المتطرفة. الفكرة هي الحقد ضد المجتمع الذي ينتمون اليه ولا ينتمون اليه والانتقام منه فهو مجتمع فاسد كافر بالله ومتحلل واباحي.. الخ.

على خلاف ذلك، يتعامل الشاب السوي مع الموقف الرافض تعاملا واقعيا. يدرك انه على هامش هذا المجتمع الغريب عنه. فيحصر علاقاته مع اصدقائه من ابناء وطنه ومن امثال جيله. وعندما يحين الوقت، يذهب الى امه ويطلب منها ان تجد له امرأة من بنات قومه ودينه. وهنا تبدأ هذه السلسلة من المواقف الظريفة والكوميدية احيانا. فليس هو في الشرق ليتبع الاساليب التقليدية الشرقية لاجراءات الخطبة والزواج.

ويجد التجاءه الى امه شيئا معيبا واعترافا بالهزيمة والعجز وهو في هذا المجتمع الاوروبي. لماذا لم يستطع العثور بنفسه على عروس ترضى به؟ واخيرا كيف يتم انجاز المشروع؟ كيف تدبر له لقاء عفويا مع الفتاة ؟ هل تكفي صورتها الفوتوغرافية؟ هل يمكن ان يراها وهي تنتظر الباص؟

ياما وياما سمعت عن لقاءات رتبتها العائلتان ثم هرب الشاب في اللحظة الحرجة ولم يحضر! أو تمارضت الفتاة وأوت الى الفراش ولم يسعد بلقائها. وفاتها النصيب.

اخيرا جاء الوالد بخبر خير. رأى فتاة حلوة ومهذبة وبنت عايلة تبيع قنادر في مخزن أحذية. كلمها فاكتشف انها عراقية. يا الله يا ابني، روح شوفها بالدكان بدون ما تعرفك. تطوعت من جانبي فقدمت هذا الاقتراح. احسن شيء ان تذهب للدكان وتشتري حذاء منها. لاحظ كيف ستلمس قدمك وتقيسها وتلبسها القندرة وبهذه الوضعية وهي راكعة على قدميك تستطيع ان تشم رائحة ابطها وانفاسها وترى مفرق شعرها وكيف تجلس وتقوم. ثم ساومها على السعر. وبعد ان تقوم بكل ذلك وتتأكد انها تحسن التعامل مع القنادر والارجل وتعرف قيمة الفلوس وتحسن المساومة، نمشي الى اهلها ونخطبها لك ونتوكل على الله.

وعدنا بأن يفعل ذلك ولم يفعل. رأيته في اليوم التالي: "ها! أحمد، وين خطيبتك الجديدة... اقصد قندرتك الجديدة؟".

لا أثر لها ولا للخطيبة.. واعتقد انه سيبقى يلبس نفس الحذاء طيلة حياته خوفا مما اقترحت عليه.