الخطبة التقليدية

TT

المعتاد في سائر البلاد العربية والاسلامية، بل والشرق عموما، ان يقوم ذوو الشاب بالخطبة، النساء غالبا والرجال احيانا. فبعد الاستفسار والتحري والاستقرار على امرأة معينة، تقوم والدة الشاب واخواته، عماته وخالاته ونساء الجيران والاصدقاء اذا كان الشاب وحيدا، بإرسال خبر الى عائلة البنت بالعزم على شرب الشاي عندهم. والاشارة كافية لتفجر سائر النشاطات والمشاورات والاستعدادات لاعداد البنت في ابهى صورة، تماما كما نفعل مع سيارتنا عندما نريد ان نبيعها. كثير من التزويق يدل على الاستهتار واخفاء العيوب. عدم التزويق يدل على عدم الاحترام وسوء الذوق. وتعيش البنت اياما عصيبة وهي تتلقى النصائح من كل صوب. لا ترفعي صوتك، لا تقهقهي في الضحك. ولكن ابتسمي وتبششي لأي طرفة ترويها الخطابات مهما كانت سخيفة. اجلسي باعتدال وارفعي رأسك ولكن انظري الى الارض باستحياء. لا تجلسي على ذاك الكرسي الذي يصرصر. سيتصورون ان الصوت قد خرج منك. فيستنشقن الهواء ليشممن رائحته.

ومن ناحيتهن تعد الخطابات انفسهن للمعركة الاستكشافية. وكثيرا ما يجلبن احدى الخبيرات الشاطرات معهن. فالموضوع يتطلب كثيرا من الدراية والمعرفة بأساليب اختبار البنت واستطلاع وديانها وهضباتها ومرتفعاتها، المتوقع منها ان تقدم لهن الشاي والكعك فيراقبن كل حركة من حركاتها. تقوم عمة الخطيب او خالته بإسقاط كعكة على الارض لترى كيف ستلتقطها البنت، وفي هذه الحركة تلاحظ بقية الخطابات ثنيات خصرها وكبر مؤخرتها ولون نهودها «اسم الله عليك يا بنتي. لا تكلفين روحك». تقول لها احداهن وتنتظر كيف ستجيب على العبارة. كيف صوتها؟ كيف فصاحة كلامها وحسن لسانها؟ تجيبهن فتقول: «لا ابدا.. ما كو اي كلوفات».

كلوفات!؟ هذا كلام الرجال! تفكر عمة الخطيب. هذي البنت مختلطة بالشباب ومتعلمة منهم. الله يدري. استغفر الله يا ربي! ان بعض الظن اثم.

يدور الكلام فتتطرق العمة الى السياسة لتتحقق من مدى اختلاط البنت بالرجال. «والله يا عيني، ها الامريكان جابو كل البلاء علينا. ش تقولين عيني سميحة»؟ وهنا تتناول ام البنت الجواب لتحمي ابنتها من الخوض فيما لا تعرفه. «والله يا حبايبي سميحة ما عندها اي اهتمام بالسياسة. كل النهار تقعد تقرأ كلام الله. اقلها روحي ويا اخوتك للسينما نقهي شوية عن روحك، تقول عوع! هاي السينمات كلها بذاعة وخلاعة».

يدور الكلام وعيون الخطابات مسلطة كأشعة اكس على سميحة المسكينة. تلتقط احدى الخالات جوزة من صحن المكسرات، تضعها في فمها ثم تعيدها، «عيني سميحة تكسري لي هذي الجوزة. الله ما خلى بحلقي سنون وآني اموت ع الجوز».

بدعة صغيرة لاختبار اسنان البنت والاطلاع على شكلها وسلامتها وامتحان مدى قوة فكيها. كانت غفلة مؤسفة من ام سميحة ان تضع الجوز والبندق على الطاولة. تذكر نفسها بأن تتحاشى ذلك تماماً في اي خطبة قادمة. تؤنب نفسها: «انا حمارة. احط جوز قدام خطابات!».

ما ان تجتاز سميحة هذا الامتحان بنجاح حتى توقعها خالة اخرى بامتحان اعسر. تتناول استكان الشاي لتشرب فتقلبه على صدرها بعملية عفوية مقصودة. تهرع البنت بالمنديل لتنشف الشاي المسكوب على فستانها. هذه هي الفرصة المواتية لتشم بها الخالة انفاس الخطيبة ورائحة ابطيها وتلقي نظرة كثيبة على نهديها وتلاحظ اناملها واظافرها. ما ان تنتهي سميحة من العملية حتى تخطفها الخالة لتعبر عن امتنانها «الله يعطيك العافية حبيبتي. خليني ابوسك واشكرك» تحتضنها وتقبلها تتلمس شعرها اثناء ذلك. كلا ليس باروكة وناعم ولطيف ولكن في خدها بعض الخشونة. بوستها لا بأس بها.

تنتهي الجلسة ويعدن الى البيت والخطيب بانتظارهن «كون صبور. كون صبور ابني خلينا نشوف بعد بنات. النسوان بالبلد مثل الجراد بس اصبر».

www.kishtainiat.com