سؤال للسعوديين

TT

تلقى قضايا الحروب في بلاد مختلفة من العالم الاسلامي اهتماما كبيرا في الاوساط الاعلامية والثقافية والدينية بالسعودية، فيروج لها على منابر المساجد وفي الكتب وشرائط الكاسيت والمقالات والندوات. وشارك في تلك «الحملات» ارتال هائلة من السعوديين من شتى الفئات العمرية والخلفيات التعليمية والاجتماعية حتى بات ذلك الهم الاول لفترة طويلة من الوقت. ولعل ابرز تلك المحطات كانت الحقبة الافغانية التي انتهت حربها بتحرير افغانستان، ولكن ايضا انتهت الى تنصيب حفنة من قطاع الطرق وتجار المخدرات وزعماء عصابات، على تلك البلاد ومن ثم حولوها الى كهف من مجاهل التاريخ. كل ذلك حدث وسمح له أن يستمر تحت مسمى الجهاد والاسلام. هدر من الارواح وهدر من الاموال ونزيف لها، وخداع مسيس في كثير من الاحيان لأجل ترويج أفكار هدامة، ونفس الشيء تكرر بعد ذلك في مواقع أخرى.

العجيب أن «نسبة» السعوديين في مناطق كهذه عالية ووجودهم «وحماستهم» لتلك القضايا من دون غيرها يفتح المجال للعديد من الاسئلة للطرح هنا. لماذا لا يتحمس السعودي بنفس الطريقة لقضايا بلاده، لماذا «لا تروج» قضايا التعليم والعمل والعدل وصناعة المستقبل بنفس الطريقة، وأن يتم ايجاد روح الانتماء وتزكيتها لما فيه الصالح العام. لماذا تغيب عن الساحات السعودية اليوم المشاركة والحماس والتفاعل ضد المجموعات الارهابية التي قامت بتفجيرات الرياض واغتيالات جدة وينبع؟ لانه من الواضح تماما أن درجة الحماس في الخطاب المروج عن هذا الموضوع ان وجد هو أقل بكثير جدا من التفاعل الذي كان ولا يزال يحدث مع القضايا الخاصة بالحروب في الدول الاسلامية. هل هناك نقص في معرفة وادراك أن ما يحدث على الساحة السعودية اليوم هو «حرب» صريحة ضد البلاد للاساءة لسمعتها ومكانتها الاقتصادية وبالتالي التأثير على موارد الرزق للآلاف من المواطنين. ويصب هذا «الصمت» تجاه تلك القضية الأهم الا وهي أمن البلاد ومواجهة الفئة الارهابية، باتجاه أن السكوت في هذه الحالة ليس من ذهب وليس علامة رضا، بل انه مباركة مبطنة وخبيثة لتلك الافعال الشنيعة، وهذا أمر لا يرضي الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. الخلل الذي حصل عبر سنوات من ترويج أفكار تقنع العامة أن «ثقافة الموت» هي الحل، لا ثقافة الاعمار والبناء والاخلاق والعمل الذي هو بحد ذاته عبادة لو كتب لنا أن نفهمه حقيقة. سنوات من الجهل المركب والرسائل المدمرة للشباب ندفع ثمنها اليوم. ولكن الساكت عن الحق هو شيطان أخرس وعليه فانه لا مكان للشياطين بيننا. واذا لم تكن الحرب على الارهاب واجتثاث هذه الافكار الضالة التي تأصلت بيننا هو القضية الأهم، فعلينا اعادة ترتيب أولوياتنا لابراز ذلك صراحة، وبدون ذلك سيستمر الضلال والضياع، وكل ذلك باسم أعظم دين والدين منه براء.