لا تقطعوا آخر خيوط حسن نوايانا

TT

نشر الصور المقززة الخاصة بالجنود الأميركيين وهم يعرضون السجناء العراقيين للإهانات والانتهاكات الجنسية، كانت حدثا حاسما في الحرب الأميركية ضد الإرهاب وفي محاولاتنا لجلب الديمقراطية إلى الشرق الأوسط. ومن المحتمل جدا أن تحدد هذه الصور الدور الأميركي في العراق، كما حددت صور ماي لاي والفتاة الصغيرة الهاربة من الهجمة بقنابل النابالم دورنا في فيتنام. وقد أدت هذه الأفعال التي قامت بها حفنة من الجنود الأميركيين إلى قطع الخيط الأخير من حسن النوايا، الذي كانت تتمتع به الولايات المتحدة في المنطقة، وربما في العالم كله. وستغذي تلك الصور الكراهية التي يشعر بها المسلمون نحونا وستشعل الشكوك حول أننا ليس أكثر من منافقين فيما يتعلق بموقفنا من حقوق الإنسان، وأننا لم نأت إلى العراق إلا كغزاة.

ومع ذلك هناك بعض الأمل في استعادة مصداقيتنا واسترجاع بعض حسن النوايا. ولكن هذا يقتضي الاستقالة الفورية لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد.

وما يزال الرئيس بوش رافضا لهذا الخيار. بل ظل يردد حتى الخميس أنه يقف إلى جانب مستشاره القديم. ولكن بوش وإدارته مسؤولون عما يفعله الجنود الأميركيون في العراق، مسؤولون عن كل أعمالهم: الخيرة والشريرة والقبيحة. وعليهم الآن أن يدفعوا ثمن هذه المسؤولية. وحسب القانون العسكري فإن التسلسل القيادي يتنزل من الرئيس بوش، عبر وزير الدفاع وحتى القادة العسكريين في الميدان، أى إلى الجنرال جون ابي زيد في هذه الحالة. وتجري حاليا مجموعة من التحقيقات تهدف إلى تحديد ما حدث وتحديد المسؤولين الذين يجب أن توجه إليهم الاتهامات، أو تقع عليهم العقوبات الإدارية مثل إعفائهم من مناصبهم القيادية. ولكن وبصرف النظر عن نتائج التحقيقات فإن ما حدث يمثل انهيارا قياديا هائلا يتحمل وزير الدفاع مسؤوليته المباشرة. وهذا وحده يمثل سببا كافيا ليقدم رامسفيلد استقالته اليوم وليس غدا. ولكن هناك أسبابا أخرى لا تقل أهمية. فقد أصبح معروفا حاليا أنه يتحمل مسؤولية ثقيلة عن الفشل الاستخباراتي الذي سبق شن هذه الحرب. كما يتحمل مسؤولية لا تقل ثقلا عن التخطيط المزري لمرحلة ما بعد الحرب ومرحلة الاحتلال.

ومن الجانب الآخر، فإن رامسفيلد لديه إنجازات كثيرة خلال عمله وزيرا للدفاع، منها أنه مارس ضغوطا قوية على القوات المسلحة لتتحول بسرعة إلى قوة حديثة قادرة على مواجهة التحديات المعاصرة. ولكن هذه ليست هي القضية. فالقضية الحقيقية هي مدى استعداده لتحمل المسؤولية والتنحي عن منصبه حتى تكون هناك فرصة لتطوير وتطبيق استراتيجية ناجحة لإشاعة الاستقرار في العراق، وتكوين حكومة محترمة وإعادة القوات الأميركية إلى الوطن. وقد فقد رامسفيلد ثقة أبناء وطنه. وفي الحرب العالمية الثانية كان الجنرال دوايت أيزنهاور يعرف تماما ما عليه أن يفعله عندما صفع الجنرال جورج باتون أحد الجنود الذين كانوا يعانون من إرهاق الحرب. إذ طلب آيزينهاور من الجنرال باتون أن يعتذر علنا لذلك الجندي.

وفي النظم البرلمانية، عندما تفشل السياسات بهذه الطريقة البشعة التي فشلت بها سياستنا في العراق، يستقيل الوزراء. ومع أن هذه لم تكن ممارسة أميركية إلا أن هناك أسبابا كثيرة ترشحها لنا. ونسبة لأن رامسفيلد ارتبط بأكثر سياساتنا تشددا، وعدوانية وفشلا في العراق فإن تنحيه سيفتح الباب ويتيح فرصا جديدا لاستعادة مصداقيتنا، والحصول على مساعدات أكبر من الأمم المتحدة، وضمانات بتعاون أكثر حماسا من حلفائنا، فضلا عن استجابات أكثر عقلانية من العراقيين.

وأخيرا، وكقضية أخلاقية، على رامسفيلد أن يعرف أنه يتحمل عبئا ثقيلا من المسؤولية عن حياة كثير من الأرواح الأميركية التي أزهقت. إن عليه أن يفعل ما يشرف المرء، بأن يعتذر للشعب العراقي، عن التعامل الذي وجدوه من أولئك النفر من الجنود، وأن يستقيل. وأن يفعل ذلك اليوم وليس غدا.

* مستشار سابق بوكالة الاستخبارات المركزية

ـ خدمة لوس أنجليس تايمز(«الشرق الأوسط»)