أنت والآخرون!

TT

كثيرا ما نجد من يعلو الاحمرار وجهه ويتعثر في النطق ويفقد السيطرة على حركة اليدين والجسد اذا وجد نفسه فجأة داخل دائرة الضوء ومحط الانظار.. فهل سبب ذلك هو الشعور بالخجل والاحساس بالخوف والقلق من التواصل الاجتماعي؟.. وهل تشير مثل هذه الاعراض الى مرض نفسي يصيب الكثيرين وعلى نحو متزايد؟

هذا الرهاب الاجتماعي لا يصيب الناس العاديين فقط وانما يصيب ايضا بعض المشاهير الذين اعتادوا التعرض المستمر للاضواء، ومن هؤلاء الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر ونائب الرئيس الامريكي السابق آل غور وغيرهما، الذين يشعرون وعلى نحو مفاجئ بنوبات من الخجل الذي يلون وجوههم بالحمرة ويستثير فيهم الرغبة في الانزواء بعيدا عن دوائر الضوء وعن عيون الآخرين.

يؤكد البروفيسور برناردو كاردوتشي استاذ علم النفس بجامعة انديانا الامريكية ان الانسان الخجول هو انسان يفتقد الثقة بنفسه ويجد صعوبة كبيرة في ان يقيم علاقة مع آخر لشعوره بان ما يصدر منه من قول وفعل لن يلقى قبولا لدى الآخرين وسينفضون من حوله إن عاجلاً او آجلاً، ولذلك فهو يسارع بالانسحاب والانزواء بعيدا قبل ان يتيح للآخرين الفرصة التي بمقتضاها ينفضون من حوله وأن يداهمه الشعور بانه منبوذ وزائد عن الحاجة.

وبالرغم من عدم وجود سبب محدد لهذا الرهاب الاجتماعي الذي يعاني منه الكثيرون الا ان طبيعة الشخصية وطريقة التنشئة يلعبان دورا كبيرا في هذا الشأن، ولقد اشارت بعض الدراسات التي اجريت حول التوائم الى ان الانسان يولد جنينا باضطراب اجتماعي، لكن هناك بعض الباحثين يلقون باللوم على التكنولوجيا الحديثة ويعزون اليها السبب الرئيسي وراء تحول الاضطراب والخلل في التواصل الاجتماعي الى مرض مزمن.

ان خدمة البنك الصوتي التي يستفيد منها الانسان عن طريق الهاتف، وكذلك استخدامه للبريد الالكتروني والاتصالات الهاتفية التي اصبحت وسيلة الحوار والتواصل الاولى بين البشر، منعت دفء التواصل الانساني عبر الاتصال المباشر وجها لوجه واعاقت المهارات الاجتماعية التي مارسها الانسان منذ فجر الخليقة من النمو والتطور.

ينصب اهتمام انسان العصر الحديث بالدرجة الاولى على نقل المعلومات دون الاهتمام بارسال نبضات مشاعره واستقبال مشاعر الآخرين واحاسيسهم الطازجة الحارة، وكذلك توقف الحديث الحي بين الانسان والآخر عبر لقاء الاعين وحل محله النظر الى الشاشة او النظر الى اللاشيء.

ان مشاعر الخجل اذا سيطرت على المرء وتمكنت منه فمن الممكن ان تتسبب في فشل حياته الاجتماعية، ولذلك ينصح الاطباء بضرورة التعامل المباشر مع الآخرين دون وسيط، ولحسن الحظ فان هناك فرصة لان يتخلص الانسان الخجول من خجله عن طريق سعيه الى تغيير طريقة تفكيره والكف عن الاعتقاد بان الآخرين من حوله ينظرون الى كل تصرفاته بعيون ناقدة وغير ودية.. دعك من الآخرين.. وتصرف على سجيتك.. لا شيء يهم.