حرية ديموقراطية

TT

جاء جورج بوش الى العراق بحثاً عن اسلحة الدمار الشامل. ولما لم يجدها قال انه أتى من اجل نشر الديموقراطية، ليس فقط في العراق، بل في العالم العربي اجمع. وحدد «محور الشر» في العالم، مضيفاً الى اللائحة كيم جونغ ايل وعالمه السعيد وابتسامته الهانئة. ووضع لائحة ثانية يصدر اليها الديموقراطية من بلد المنشأ، هي سورية والسعودية، وراح الاعلام الاميركي يردد في جوقة واحدة اغنية الاصلاح وحقوق الانسان. واخذ توماس فريدمان يفتش في مناهج التعليم ودفاترها ويقرر ماذا يجب ان يحذف منها. وفات المستر فريدمان ان يراجع مناهج التعليم في كاليفورنيا وتكساس، حيث زوّر التاريخ لارضاء المنحدرين من اصول لاتينية.

بكلام آخر، كانت ادارة بوش تقول علناً وفي صراحة مطلقة وبتعابير واضحة غير مبطنة، انها تريد تمدين العالم العربي. وكانت الامبراطورية الفرنسية قد شنت حملتها الاستعمارية في الماضي تحت شعار «المهمة التمدينية» في عالم متخلف. ونشر سعيد فريحة في العدد الاول من «الصياد» صورة كاريكاتورية لجندي سنغالي من القوة الفرنسية، يحمل حربة ويقول للبناني بفرنسية مكسرة: «انا جاء يمدَّنك».

ارفقت اميركا الحملة العسكرية على العراق بحملة اعلامية، فأنشأت اذاعة شبابية ليست فيها أغان ثقيلة مثل ام كلثوم وفيروز وعبد الوهاب. واطلقت محطة «الحرة» للحد من تأثير الفضائيات العربية. وقررت، ايضا في صراحة ودون مواربة، ان حربها الحقيقية هي في الاعلام، وانه سلاحها الاهم في نشر الديموقراطية. واعتبرت انها ستجعل «الحرة» مثالاً لبقية العبيد. فلا تمضي فترة الا ويكون المشاهد العربي الذي سئم صراع الديوك، قد اعتاد الموضوعية والهدوء.

آسفون. لقد ألغت صور السجناء في ابو غريب كل شيء، بما في ذلك صورة صدام حسين في مذلته الكبرى. ولم تبق الصور في الذاكرة مكانا لأسلحة الحرب الشاملة ولا للعلم الديموقراطي. فكل عمل، في نهاية المطاف، يشبه صاحبه. والثقافة التي جعلت مجموعة من النفر والضباط والجنرالات والفرقاء الاميركيين، ترتكب ما ارتكبت من فظاعات، هي ثقافة نقلها الجيش الاميركي معه ولم يعثر عليها في العراق.

ان مشاهد العراة يحولون الى اهرامات امام ضحكات الضباط، ليست على الاطلاق اكثر فظاعة من مشاهد نهب متاحف بغداد امام عيون المارينز، فالمهمة الديموقراطية كانت فاشلة من البداية. ولن يكون في امكان «الحرة»، مهما اظهرت من موضوعية وحذاقة في معالجة القضايا، ان تزرع في عقل المشاهد العربي وذاكرته صورة اخرى، مزيدة ومنقحة، تحتاج الديموقراطية الاميركية الى اكثر من قناة والى اكثر من «البوم» أغاني في «سوا» لكي تبرر بقاء فرسان الادارة الاميركية في اماكنهم. لقد اقيل وزير الدفاع في بريطانيا مرة بسبب علاقة مع مومس، واقيلت رئيسة وزراء فرنسا بسبب ملاحظاتها عن صفر الوجوه اليابانية وتفشي الشذوذ بين البريطانيين. ولم يكن المستر رامسفلد في سجن ابو غريب يوم قررت الجنرالات والمجندات صنع هرم من العراة، لكنه كان هناك عندما دافع، منذ اللحظة الاولى، عن ثقافة الفظاظة، وعندما برر عدم الاعتذار بأن قصابي الفلوجة ايضاً لم يعتذروا.