الخطبة والأسنان

TT

عرفنا الكثير عن مصاعب الخطبة. غالبا ما تؤدي الى تقرح الكبد وتعطل الطحال وتورث ضغط الدم والسكري. لكن صديقي عبد اضاف فقال انها اتلفت اسنانه. امر عجيب. واعجب منه ان السبب كان زواج اخيه حمد وليس زواجه هو. كيف جرى ذلك؟

قال: كنت طفلا عندما كلف اخي والدتي وخالاتي بالبحث عن زوجة له، ناداني والقى عليّ هذه الخطبة. قال: «اسمع يا حبيبي عبودي، نحن الرجال يجب ان نتكاتف ونتضامن امام كل هذه المكايد والحيل من النسوان. اريدك تروح مع الخطابات، امك وخالاتك، وتنظر نظرة فاحصة على البنت وتعطيني ادق تقرير عنها، طولها، طول منخارها، لون عينيها، عرض بطنها، كيف رائحتها، شلون تمشي وتقعد وتوقف، وكل شيء».

بالطبع كانت المخطوبات خبيرات بهذه الجولات الاستطلاعية وسر وجود هذا الصبي بين وفد الخطابات، وكن يعرفن كيف يعالجن امره. كيس من الشوكولاته مع قطعة من الحلوى المسمطية تضمن للمخطوبة احسن شهادة. يعود عبد للبيت ويدلي بها لأخيه «وجهها كالبدر في تمامه، شعرها جزيلة من ذهب الابريز، عينها بركة من ماء كوثر، فاتنة كغصن البان».

«اسمع، اسمع!» قلت لصاحبي مقاطعا: «من علمك كل هذا الكلام وعرفك بالذهب الابريز وماء كوثر وغصن البان و..» اجابني قائلا: «من قصص الف ليلة وليلة للاطفال. كنت اخرج هذا الكتاب، كلما كلفني حمد بهذه المهمة فاحفظ هذه الاوصاف. هذا اذا كانت الشوكولاته من نستلة جيدة والحلوى محشوة جيدا باللوز والفستق. اما اذا كانت رديئة ومن صنع محلي رخيص، فأعطي شهادة مختلفة تماما. عيونها تصبح كعيون الخفاش في عز الظهيرة وشعرها كحبال السفن المهجورة وظهرها كسنام البعير الاجرب. فينسحب اخي من الخطوبة فورا. ثم كشر عبد عن فمه «هه! شوف! هذي النتيجة». واشار الى اسنانه المنخورة التي اكلتها النستلة والحلوى. فقد كان حمد دقيقا في الاختبار وتبادل الوفود والمساومات لسنوات وسنوات قبل الاقتران بزوجته الحالية أم حسن مما الحق اضرارا جسيمة بأسنان صاحبي المسكين عبد.

اما كيف تم القرار النهائي، فالفضل كله يعود للوذعية أم فؤاد وعبقريتها في صنع حلوى الزعفران باللوز والقرنفل. ما ان وضع عبد قطعة منها في فمه حتى غص بلعابه واسرع الى كتاب «حكايات الف ليلة وليلة للاطفال» بحثا عن ابلغ وصف لكمال الحسن والجمال بما يفوق الواقع والخيال. يتذكر عبد انه راجع حتى معلقة امرئ القيس وحفظ منها ما يهز مشاعر اخيه. ما زال يذكر منها:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة

ترائبها مصقولة كالسجنجل

غير ان عبودي كان يتصور ان السجنجل هو شربة السنجبيل.

سألت صاحبي عن مصير العروسين وما تمخضت عنه تقاريره التي تبز في موضوعيتها ودقتها حسابات الجامعة العربية. اجابني قائلا: «اوه! في اتم السعادة والنعيم، انجح زواج سمعت عنه في حياتي. رزق بولدين ويعيش الآن في ليبيا يحوش فلوس في النهار ويضحك على تصريحات الحكومة في الليل ولا ينقصه شيء غير الاسنان. راحت كلها بفضل الحلاوة الزعفرانية شغل الاخت أم فؤاد».

www.kishtainiat.com