مأساة «أبو غريب» تستدعي فتح أبواب المعتقلات والأوراق متشابكة منذ سقوط صدام..

TT

ما حصل في سجن أبو غريب كان بمثابة صدمة عنيفة وبشعة.. ولا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال.. فهي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وللمواثيق الدولية، على أن ذلك يجب أن يفتح المجال أمام تقصي الحقائق عن كل الانتهاكات في العراق وفي الدول الأخرى والعمل على وضع حد لها ومنع تكرارها ووضع حد لدوامة العنف والعنف المضاد وما يتسببه من إيذاء للناس الأبرياء وغير الأبرياء.

أمضيت اليوم الأول في زيارة لسجن أبو غريب والتباحث بشأن أوضاع السجناء والمعتقلين وقضايا أخرى تتعلق بحقوق الإنسان.

إنني افهم واحترم وأقدّر موقف الدكتور عبد الباسط تركي، وزير حقوق الانسان الأسبق الذي استقال، فالتحديات كبيرة في البلد وهناك انتهاكات من قبل جهات عدة (معروفة الهوية) من دون أن ندخل في تفاصيل عن كل من ينتهك حقوق الانسان.. ولكن ما حصل في سجن أبو غريب، على سبيل المثال، كان مريعا ونحن ندينه بشدة، فالصور التي عرضت كانت مقرفة وغير معقولة.. والذين قاموا بهذا العمل اللاأخلاقي واللاإنساني يجب أن يحاكموا ويعاقبوا اشد عقاب.

بالنسبة لي كمعنيّ بحقوق الإنسان.. أرى ان إدانتنا لانتهاكات هذه الحقوق، طيلة 35 سنة من قبل نظام صدام حسين، تدفعنا إلى عدم السكوت على أية انتهاكات، سواء من قبل «قوات التحالف» أو من «أبناء بلدنا» كأجهزة وغير ذلك.

إن أول ما قمت به عند تسلم مهام الوزارة هو زيارة سجن أبو غريب، ويبدو انه لم تكن هناك زيارات في الماضي لهذا السجن من قبل الدكتور عبد الباسط، وقد سمعت من أجهزة الإعلام انه طلب زيارة السجن، ولكن طلبه رفض (ولا علم لي بتفاصيل حول هذا الموضوع)، لذلك فإن أول عمل قمت به هو أنني طلبت زيارة هذا السجن وحصلت على الموافقة، وذهبت إلى هناك حيث التقيت بالسجناء، إلا أن زيارتي لم تكن (تحقيقية) أو للدخول في عمق القضايا، وقد استغرقت الزيارة ساعة نصف الساعة، وإضافة إلى السجناء التقيت مع العسكريين الاميركيين المشرفين على السجن، كما زرت الجزءين الرئيسيين في السجن، والجزء الأكبر يضم المعتقلين لأسباب أمنية، وقد وضعوا في خيام وعددهم، حسب ما ذكر المشرفون، 3500 معتقل، تم تقسيمهم على 8 أقسام صممت لتستوعب 4000 معتقل. والقسم الثاني هو قسم المعتقلين لأسباب جنائية أو جزائية وكان عددهم 1400 معتقل، وكان في السجن خمس نساء، سيطلق سراح اثنتين منهن خلال الأيام المقبلة. ورأيت أيضا في السجن (قسم الأحداث) ويضم 47 شخصا اعتقلوا لأسباب أمنية، وهم من صغار السن إذ تتراوح أعمارهم بين 12 ـ 18 سنة.

إن اتفاقا تم مع سلطات السجن على أن يكون هناك مكتب لوزارة حقوق الإنسان في القسم الجنائي وأن يكون لنا حضور يومي. كما اتفقنا على أن يكون لنا حضور أسبوعي أو زيارة أسبوعية للمعتقلين لأسباب أمنية. وكما هو معروف فان الملف الأمني في البلد كله بيد سلطات الاحتلال حسب قرار مجلس الأمن 1483، ومع ذلك قبلوا بان تكون لنا زيارات للمعتقلين لأسباب أمنية، وكذلك زيارة قسمي النساء والأحداث، وتفقد المستشفى أو المستوصف الموجود في السجن، وخلال الزيارة لقسم الطبابة يمكن التعرف على الكثير من الحالات ( لو رأينا احد المعتقلين مكسور اليد.. فمن المؤكد أن سبب ذلك ليس لعب الكرة !).

إن ما حصل في أبو غريب بعيد كل البعد عن كل القيم الدينية والدنيوية وضد القانون الدولي والإنساني. ومن المهم اتخاذ إجراءات لمنع تكرار ما حصل. وهنا يجب أن لا ننسى ان مهمتنا في هذا الوزارة قصيرة الأمد تنتهي في 30/6 عند تسليم السلطة. وبعد ذلك التاريخ سيكون هناك جانب عراقي في الإشراف على هذا السجن وغيره من السجون والمعتقلات.

وبهذه المناسبة كنا نتمنى أن لا تكون هناك سجون في هذا البلد، وخاصة سجن أبو غريب الذي يرتبط بالذاكرة العراقية، للاعدامات والاعتقالات العشوائية وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت فيه.. ولذلك فان ما حصل فيه وما كشف عنه مؤخرا كان ثقيلا بالنسبة للعراقيين وغيرهم.

تأثير ما حدث في سجن أبو غريب لا يقتصر على الوضع الأمني وتنامي العنف المضاد.. فالأمر أوسع من ذلك، فهناك أجندة متعددة ومتشابكة الأوراق برزت منذ اليوم الأول لسقوط نظام صدام، وهناك عمليات تصفية حسابات من قبل أطراف مختلفة ومن الطبيعي أن هذه الممارسات التي تم الكشف عنها تصب الماء في طاحونة العنف أو (الإرهاب)، وهي تضر بسمعة الجنود الأميركيين وقوات التحالف وتولد كراهية متبادلة، على أننا يجب أن لا نعمم سوء التصرف على الجميع، وننظر إلى الجوانب السلبية فقط وإغفال الجوانب الأخرى الايجابية.

وهنا أدعو إلى الكشف عن الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان (خارج المعتقلات) وضرورة توثيقها لمحاسبة المقصرين والمطالبة بحقوق المتضررين، حيث تضع الوزارة الآن خطة عمل في هذا المجال وإنشاء صندوق خاص بمبلغ عشرة ملايين دولار لمعالجة مثل هذه الامور وإيجاد أقسام متخصصة في الوزارة لمتابعة مختلف القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان ومتطلباته المعيشية وسالإنسانية.

أخيرا.. (رب ضارة نافعة) ولا بد من اعتماد الشفافية في فضح خروقات حقوق الإنسان، في العراق وفي الدول العربية الأخرى ودول الجوار وكل الدول، واشير إلى أن الانتهاكات في العراق تم ويتم الكشف عنها، بينما هناك دول تنتقد هذه الممارسات (المدانة أساسا) وفي سجونها ما قد يكون اسوأ. ومن هناك تأتي ضرورة فتح أبواب ونوافذ كل السجون والمعتقلات في مختلف الدول أمام منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية الأخرى وأمام الإعلام والرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي. إن بشاعة ما حدث في سجن أبو غريب تدعونا إلى إن نطلق نداء الشفافية في التعامل مع قضايا المعتقلين لأي سبب كان، وفي أي بلد كان.. وذلك واجب الجميع تجاه الإنسانية.

* وزير حقوق الانسان العراقي ـ والمقال مأخوذ من إجابات الوزير في مقابلة لـ"الشرق الأوسط" معه.