البصرة بعد 30 يونيو..مشهد أمني

TT

تعتمد أية «استراتيجية انسحاب» ناجحة على أشخاص مثل النقيب فراس محمد قاسم، ضابط المراقبة لأحد المقرات المحلية، التابعة لفيلق الدفاع المدني الذي تم تشكيله حديثا. في أحد أيام الأسبوع الماضي، اخذ النقيب قاسم يشير لضيوفه باعتزاز، إلى مراكز وحداته المنتشرة في جنوب العراق، المبينة على خريطة معلقة على جدار مكتبه، وفي تلك المراكز تقوم وحداته بأربع وعشرين دورية مبرمجة كل يوم.

غير ان تمردا قام به أنصار عالم الدين الشاب، مقتدى الصدر، انفجر في البصرة بعد أيام قليلة، ودام لفترة قصيرة، وتم إنهاء التمرد بسرعة يوم السبت الماضي، على يد الوحدات البريطانية هنا، بمساندة قوية من الحاكم الإقليمي والشرطة العراقية، ومن التيار الأوسع الممثل لعلماء الدين الشيعة في البصرة. ولعب فيلق الدفاع المدني دورا صغيرا، حيث قامت وحدات قليلة منه بدوريات حراسة في الشوارع، مع ذلك كانت تلك مجرد بداية.

يمكن القول، إن القيام بزيارة لمقر قيادة هذا الفيلق، يعطي لمسة عن هذا العنصر الأساسي في استراتيجية الانسحاب، فالفرقة التي يبلغ عددها 5130 شخصا في الجنوب، هي جزء من قوة تبلغ على مستوى الوطن

40 ألف شخص. ومن المفترض أن تكون جاهزة حين تتم إعادة السيادة الوطنية للعراقيين يوم 30 يونيو المقبل. ويقوم بتدريب العراقيين جنود بريطانيون يشاركونهم منذ فبراير الماضي الإقامة في نفس المعسكر.

وتبدو الخطة كما وضعت على الورق جيدة، فمن المفترض أن يقدم هذا الفيلق دعما للشرطة العراقية، وأن يقوم بحفظ القانون والنظام بعد انتهاء الاحتلال، وسيقوم أفراده بحراسة الطرق الخارجية الرئيسية، ونصب نقاط تفتيش أمنية، وقمع أعمال الشغب في المدن. وحينما لا تتمكن الشرطة أو قوات الدفاع المدني من مواجهة المشاكل، يمكنها ان تستدعي أكثر من 100 ألف من قوات التحالف التي من المرجح أن تبقى في العراق بعد تسليم السلطة للعراقيين.

لكن، هل ستكون هذه الخطة الأمنية قابلة للتنفيذ؟ الجواب، مع الأسف، هو أن هناك أسبابا تدفع باتجاه التشكيك في نجاحها، فالعديد من وحدات فيلق الدفاع المدني في وسط العراق، لم تؤد وظيفتها بشكل جيد خلال أعمال التمرد التي اجتاحت بعض أجزاء البلد في الشهر الماضي. وفي بعض الوحدات، ارتفع معدل الهروب إلى حدود الـ 50%. وحسب أحد التقديرات، ستكون هناك 16 من 36 كتيبة، جاهزة يوم 30 يونيو لأداء مهماتها بشكل كفء. ولعل اللواء الذي تم تدريبه على يد البريطانيين في البصرة، هو الأفضل في العراق، ومع ذلك فإنه لم يجر اختباره في اية معركة بعد.

قال قائد اللواء ضياء كاظم الكاظمي: «أنا لدي القدرة على السيطرة على الأمن في منطقتي بعد 30 يونيو، أنا أعرف نفسي، وأعرف قدراتي، وأعرف عدوي، وأعرف أن عدوي سيخسر».

يقول الكاظمي، إن لديه ثلاثة أعداء رئيسيين، وهؤلاء هم النهابون والخاطفون والإرهابيون، وإنه كان قد أعد قواته لفرض إجراءات صارمة على الميليشيا التابعة لمقتدى الصدر أيضا، في حالة عدم احترام أنصاره قوانين العراق، قبل أيام قليلة من وقوع تمرد الصدر في البصرة.

وقد يكون السلاح السري الذي بيد فيلق الدفاع المدني، هو دعم آية الله السيستاني له. يقول الكاظمي، إنه قبل قبوله تولي قيادة فيلق الجنوب، طلب تأييدا من ممثلي السيستاني في النجف، ولم يكتف مساعدو آية الله العظمى السيستاني بمباركة مشاركته، بل أرسلوا عالم دين منهم للمشاركة في عمل الفيلق بصفته إماما له في البصرة.

يقوم بالإشراف على فيلق الدفاع المدني وقوات الأمن العراقية الأخرى، في الجنوب، الميجور جنرال ديفيد بيتروس، الذي يعد واحدا من القادة الأميركيين المبتكرين خلال فترة الحرب وما بعدها. وفي مؤتمر لقادة الفيالق وشركائهم من قوات التحالف، جرى في بغداد الأسبوع الماضي، ألقى بيتروس خطابا حماسيا تضمن هذه المبادئ: «دعم حازم لفيلق الدفاع المدني العراقي من قبل قوات التحالف والتعامل مع أفراده كأنهم جنودنا، إعطاؤها مهمات عملية مدعومة ومتكاملة مع قوات التحالف، ولإظهار أننا نهتم بوضعهم، نوفر لهم مرافق جيدة وملابس جيدة وطعاما جيدا ومراسيم تذكارية وإشراف وعمليات مشتركة وغير ذلك».

تبدو الاستراتيجية جيدة من حيث المبدأ، لكن في المرجل الذي يعيش داخله العراق لا شيء يعمل تماما مثلما خُطط له. من الناحية التنفيذية، سيكون نقل المهمات الأمنية لفيلق الدفاع المدني ولقوات عراقية أخرى، على الأرجح، خشنا. وهو سيعمل بشكل ناعم في مناطق قليلة، بينما سيكون سيئا في مناطق أخرى. وإذا احتاج فيلق الدفاع المدني والشرطة إلى مساعدة الوحدات الأميركية (ويبدو أن هذا لن يكون ممكنا تجنبه)، فإن ذلك قد يقوض شرعيتها في أعين العراقيين.

لكن الكاظمي يذكّر بنقل السلطة وما يمثله فيلقه في هذه العملية. كان الكاظمي مساعد قائد البحرية العراقية في السابق، وقضى ثلاثة أعوام في السجن بسبب انتقاده لصدام حسين، وفي الأسبوع الماضي، وخلال سفرته إلى بغداد، قال بمتعة: «لقد نمت في أحد قصور صدام». يمكن اعتبار التحدي الأساسي الذي يواجهه الكاظمي في الأشهر القليلة المقبلة، هو إقناع أبناء وطنه أن هذا العراق ينتمي إليهم جميعا، وهو يستحق القتال من أجله.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»