هل يحيي لقاء البحر الميت في الأردن الآمال التي تلاشت؟

TT

تتجه الانظار هذه الايام الى ضفاف البحر الميت في الاردن، ورغم انه ميت في اسمه، إلا ان الآمال معقودة على لقاءات (المنتدى الاقتصادي العالمي) الذي تعقد على ضفافه، وتتناول قضايا تهم المنطقة، من انتقال السلطة في العراق، إلى مشاريع الاصلاحات المرتقبة، ومشروع الشرق الاوسط الكبير. وفي جانبه الآخر لقاءات مجلس الاعمال العربي، ومجلس الحكماء المائة ولجنة القيادات العربية الشابة، وتعد هذه اللقاءات بمثابة الضوء في نهاية النفق.

ورغم أن المنتدى الذي يشهد حضورا مكثفا من شخصيات وفعاليات عالمية، اخذ شهرة عالمية يقودها عراب دافوس الدكتور كلاوس شواب، لا يصدر عنه بيان ختامي ولا توصيات، ولكنه على حد قول متابع «المكان الذي يصنع فيه جدول الاعمال الدولي».

وتنبع اهمية هذه المنتدى من كونه المجلس السياسي للشركات المتعددة الجنسية ورأس المال الدولي، ويعتمد التمثيل على اساس ما فوق قومي، ويتوقع ان يشارك في هذا المؤتمر نحو ثلاثين من قادة الدول العربية والاجنبية الذي يقام في قصر ملكي للمؤتمرات على ضفاف البحر الميت.

ويبدو ان مبادرة عربية تلوح في الافق، وهذه المرة خارج دائرة المبادرات السياسية والاصلاحية التي انتشرت موضتها في العالم العربي، بل هي مبادرة لتشكيل مجلس للقيادات العربية الشابة، يهدف لجعل الشباب يعملون من اجل التغيير وبناء الامل والثقة في المستقبل، وستشمل 100 شاب وشابة من العالم العربي اعمارهم اقل من 45 عاما من مختلف القطاعات، في مجالات الاعمال، الفن، الرياضة، مسؤولين حكوميين وصحفيين.

ولم يكن غريبا ان تنطلق افكار مثل هذه من دبي وهي المدينة التي تعيش الحاضر من خلال رؤيتها للمستقبل، والتي تراهن على الشباب في نجاحها، بل وينسج قصة نجاحها فريق من الشباب يقودهم شاب مندفع للنجاح هو محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي.

واذكر انه قبل ثلاثة اعوام التقيت بمحمد القرقاوي وهو احد الشباب الذين يساهمون في قصة نجاح دبي، ويترأس مجلس دبي للاستثمار، وكان يتحدث عن اهمية تفعيل دور الشباب وضرورة وجود هيئة تجمع الشباب العربي المتميز، لانه يعتقد ان الحل لواقع العالم العربي ينطلق من الشباب، وان تلاقي الشباب في مرحلة مبكرة وتبادل الافكار بينهم سيمهد الارضية لتجانس كبير بينهم في المستقبل.

وقبل شهور بسيطة شاهدته في دافوس بسويسرا يتحدث عن تكوين تجمع للقيادات العربية الشابة تحت مظلة دافوس، وكأن الحلم الذي تحدث عنه يوما تحقق، وخلال الشهور الماضية كانت هناك خلية نشاط في دبي يقودها شاب اماراتي هو مسعود محمود، تتصل بكل الدول العربية لترشح نحو مائة شاب وشابة يمثلون النواة لهذا المشروع ذي البعد الاستراتيجي. وسيشهد لقاء الاردن الولادة الرسمية لهذا التجمع الذي تعقد اجتماعاته بالتزامن مع فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي. وهذا تجسيد لحقيقة أن المشاريع الكبيرة تبدأ من فكرة بسيطة، ولكنها تتحول الى واقع اذا وجدت من يؤمن بها ويعمل لترجمتها على ارض الواقع.

ويتناول المنتدى الذي يعقد تحت اسم (مواجهة التحديات الحقيقية .. الشراكة من اجل السلام والتغيير والتنمية)، القضايا الرئيسية المطروحة للنقاش، ومنها تسليم السلطة للعراقيين وقضايا الاصلاح السياسي والاقتصادي. ويبدو ان الاصلاح قضية ملحة، اذ تناقش جلسات المنتدى وثيقة الاصلاح التي قدمها القطاع الخاص العربي، وتتضمن وجهة نظر القطاع الخاص في مجالات التحرير والاصلاح، وتنمية الموارد البشرية.

ويعترف كثيرون بأن العالم ليس في افضل حالاته، وقد كان وصف الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون دقيقا عندما قال «ان العالم غير منظم بشكل منهجي للتعامل مع الواقع، العالم متشابك، سواء في مسألة الايدز او النزاعات او الاقتصاد». وواقع مشاكل العالم يدعو بالحاح الى تفكير جماعي لحل ازمات العالم والتباعد الذي يحصل بين حضاراته. ويتوقع ان تتناول جلسة الاحد تحت عنوان «ضوء ام حرارة» قضية تغيير توازن القوى في العالم ونوعية هذه التغيرات وتأثيراتها على منطقة الشرق الاوسط، ويشارك فيها البرفيسور الفرنسي جيلس كيبل، والبرفيسور الايراني محمود ساريقلهم، والامير تركي الفيصل رئيس مركز الملك فيصل للابحاث والدراسات الاسلامية.

ويبدو أن الحوار بين الحضارات والاديان يمثل قضية جوهرية في لقاءات دافوس والمنتدى الاقتصادي، اذ ستبدأ لجنة الحكماء المائة اولى اجتماعاتها في الاردن. وكانت قد بدأت كفكرة في منتدى دافوس الذي عقد في نيويورك العام الماضي، ودعمها كل من الامير تركي الفيصل وجورج كيري رئيس اساقفة كانتربري السابق، وهما يترأسان هذا المجلس. ويهدف هذا المجلس كما يقول الامير تركي الى تبني مناطق من التعاون الملموس بين العالم الاسلامي والغرب «لانريد مجرد انشاء تجمع للحديث، وانما سنسعى الى شن او رعاية مشاريع عملية تغطي اكبر قدر معين من مجالات الحياة، ويمكن ان تكون هذه المشاريع انسانية وثقافية او دبلوماسية، ولكنها يمكن ان تكون مشاريع مشتركة».

ومن الواضح ان افكارا مثل تأسيس مجلس الاعمال العربي الذي تبنى وثيقة الاصلاح من وجهة نظر القطاع الخاص، ولجنة الحكماء المائة، وهيئة القيادات العربية الشابة، هي مشاريع تهدف الى استخدام منهج الفكر في رؤية المستقبل والحوار مع الآخر، وتحمل نفسا تجديديا في العقلية العربية التي تعودت الاعتماد على المرجعيات الرسمية، فيما ظل المجتمع المدني غائبا او مغيبا لفترة طويلة.

ولعل من اسباب انطلاق منتدى دافوس قبل اكثر من 33 عاما، هو انطلاق الفكر العلمي لاخذ زمام المبادرة من خلال رؤية استاذ جامعي هو كلاوس شواب المتخصص في الاقتصاد. ورغم ان الفكرة توسعت لتشمل جميع القضايا الملحة التي تهم الانسان، إلا ان الحس الاقتصادي مازال يسيطرعلى كثير من جلسات المنتدى، وقد اوجد تحالفا بين القطاعين الاقتصادي والسياسي، ولكن الجانب الذي انبثق منه، اي الجانب الاكاديمي الجامعي، ضعفت مشاركته لحساب الاطراف صاحبة القوة المادية او السياسية. واستقطب منتدى دافوس اهتماما عالميا تمثل بحضور زعماء مهمين للمشاركة في جلساته وسحب البساط من ملتقيات مشابهة لها، مثل نادي روما وندوة ميونيخ لقضايا الأمن الدولي.

وينظر كثيرون للمنتدى على انه تكريس لظاهرة العولمة وتهميش للكيانات القطرية الصغيرة، فيما يطرح رأي من الجانب الاخر، تمثله كريستين تود وايتمان التي تشغل منصب حاكم مدينة نيوجيرسي، بأنه لا يوجد بديل عنه، انما المفروض تحسين مستوى اعداد الافراد وتأهيلهم، مما يعني واقعيا المطالبة باصلاح الانسان ليتناسب مع العولمة ومعطياتها ونتائجها، وليس اصلاح الظاهرة لتلبية احتياجات الانسان.

* رئيس تحرير «الرجل»