عجيبة هذه الهند

TT

ليس للمتغيرات في الهند انعكاسات دولية لأنها دولة بلا مطامع خارجية، مثل اميركا او الاتحاد السوفياتي السابق. ولأنها ايضاً دولة غير غنية تقدم المساعدة للدول الفقيرة مرفقة بطلبات او شروط سياسية. وثالثاً فهي دولة غير ايديولوجية، لا تريد نشر الديمقراطية في مكان ولا الشيوعية في الجوار. ولكن النموذج الهندي لا يكف عن طرح نفسه كنظام مذهل في الامم: 700 مليون ناخب يذهبون الى الاقتراع في حرية مطلقة وهدوء كامل. واكثريتهم تقرر ان ترمي خارجاً رموز التعصب والحقد، وان تستعيد سلالة نهرو التي على رأسها اليوم سيدة ايطالية تعلمت الهندية والتقاليد وارتداء الساري.

كانت صونيا غاندي اجمل التجارب في العائلة، فيومَ كانت انديرا (ام الهند) حية وحاكمة، نأت الايطالية بنفسها وبزوجها عن كل عمل سياسي او اي ظهور آخر. وكان راجيف غاندي واحداً من مئات القباطنة في «الخطوط الهندية». وعندما ارغمه القدر على دخول السياسة، لحقت به على افضل ما يكون. وعندما اغتاله مجرمون تافهون بهراوة انفصالية، انتقلت الايطالية الى دور«الارملة والام والوصية. وحاول عشرات الملايين من الهنود ابعادها عن حزب المؤتمر وحق الوراثة الديمقراطية واعادتها الى الشمال الايطالي الصناعي. لكن صونيا غاندي تمسكت بالساري وبالتعاليم التي تركها نهرو لابنته واحفاده ومن ينتسب

اذا اختارت صونيا راجيف غاندي ان تحكم، فسوف تكون تلك سابقة اخرى تسجلها الهند في التاريخ: سابقة القبول والارتضاء بالآخر في سدة الحكم، حتى لو كان اجنبي الدماء. وذلك بعد سابقة الاستقلال بدون عنف، وبعد سابقة 700 مليون ناخب يقررون، بهدوء مطلق، خلع الحكم العصبي الذي جاءوا به من قبل.

لقد عرفت الهند مذابح كثيرة في تاريخها. وشهدت انفصال باكستان لاسباب طائفية وبنغلادش لاسباب اثنية. وقبل عامين فقط قامت مذابح كريهة مقيتة في بعض الولايات، وهناك قضية كشمير التي اذا لم تحل فسوف تظل علاقة دلهي مع العالم الاسلامي متضمنة اسى شديداً. ولكن في المقابل لا تزال الهند أكبر تجمع في العالم للغات والايديولوجيات والاديان والعادات والتعددية البشرية. مليار هندي يمكن ان تحكمهم ايطالية من تورينو. امرأة غريبة ترث نهرو، اب الهند، وانديرا، امها، عبر صناديق الاقتراع. عجيبة هذه الهند، تأكل الكاري والبسمتي وتمنح الزعامة للسباغيتي.