القرارات الخطيرة

TT

دخلت بدون استئذان إلى أحد المجالس، وكان هناك لفيف من (الأوادم) ـ جمع آدم ـ، بعضهم جالسون متربعون يمارسون رياضة (البلوت) ـ وهي الرياضة الوحيدة إلى جانب رياضة (اليوغا) التي يمكن ممارستها جلوساً ـ وقد أخذ الحماس بهم أي مأخذ، وحولهم مجموعة أخرى من (بني آدم) مضطجعين ومتقابلين على الأرائك والمساند لا يبارزهم في ذلك غير (تنابلة السلطان) في عزهم، وذلك أيام سطوة الحضارة الإسلامية المجيدة. بعضهم يرشف فناجيل الشاهي (ويتلمظ) بها، وبعضهم يشفط (الجراك والمعسل)، ثم يخرجه من فمه ومناخيره وآذانه كذلك، مستمتعاً، ومنطرباً على (كركرة) الشيشة التي تمنيت لو أن راقصة لوذعية على مستوى فيفي عبده، قد رعشت قليلاً على صوتها، لتسجل سابقة إبداعية في عالم الفن العربي الذي لا يشبهه أي فن في العالم الأوروبي المتخلف.. ولا أنسى بالطبع من (يقزقزون اللب)، ويفرمون المكسرات، ويفركون ويعبثون بأصابع أقدامهم، وفي نفس الوقت هم يطقطقون بمسابحهم الكهرمانية.

جلست بجانب أحدهم دون أن أقرئه السلام، كما أنه هو ايضاً لم يحس بوجودي ولم يبادلني بدوره ذلك (الإقراء)، بل ولم يلتفت صوبي، حيث أنه كان مديراً لي ظهره نصف استدارة، وسمعته يتحدث مع شخص آخر يقابله، له وجه كالح يكاد ان (يقطع الرزق).. وأخذت (استرق السمع) ـ وأتمنى أن يغفر الله لي هذه الزلّة التي أرجو ألاّ أكررها في ذلك المجلس بالذّات.

سمعت صاحب (النصف استدارة)، يسأل صاحب الوجه الكالح، كم مضى على زواجه من (أم فلان)!، فتيقنت أن بينهم معرفة جامدة، وإلا كيف يسأل عن (أم فلان)!!، فرد عليه صاحبه بصوت ثقيل متقطع لم أتبينه تماماً، ولا أدري هل هو قال: في حدود العشر سنوات، أم في حدود الأربعين سنة؟!، الواقع أنني غير متأكد ـ والكذب حرام.

وعاد الآخر يسأل سؤالاً أسخف من الأول: وكيف ما شاء الله استطعت أن تتجنب النزاع مع (أم علاّن) ـ آسف (أم فلان) ـ وأظن أن اسم الولد مبارك، ومن المحتمل أن يكون اسماً على غير مسمّى.. فرد عليه أبو مبارك قائلاً بما معناه: الحمد لله إنني أبحر مع زوجتي في أمان وسلام، وقد عقدت معها اتفاقاً مع بداية زواجنا الميمون، ووضعت قانوناً ينص على أنني أصدر وأتناول كل القرارات الخطيرة، أما هي فعليها أن تصدر القرارات الثانوية في الأمور الصغيرة غير المهمة.

فعاد صاحبه يسأله سؤالاً شبه سخيف: وما هي تلك القرارات التي لا تخصك وتخص أم مبارك؟!، فقال له: عليها مثلاً اختيار المدارس التي يدرس بها الأبناء، وأن تختار لي العمل الملائم الذي يناسبني، وأن تشتري وتبيع الأسهم التي في حوزتنا، وأن يكون لها الكلمة فيما يخص عقاراتنا، وسياراتنا، والمستخدمين في منزلنا، ومشترياتنا من الأسواق، وترتيب رحلاتنا الصيفية في إجازاتنا.

وعاد صاحبه يسأله: وماذا عن قراراتك الخطيرة أنت؟! فقال له: إنني مهتم جداً بقضية الشرق الأوسط، وألعن شارون كلما أصبحت وأمسيت، وأتابع الحالة المضطربة في العراق العزيز، وأتخيل وضع العالم كله عندما تسود (العولمة).. وأدعو الله عز وجل أن يرفع راية الإسلام خفاقة في كل ركن من أركان المعمورة.

وإلى هذا الحد كان عليّ أن أدير أنا ظهري أيضاً نصف استدارة إلى الجانب الآخر، وأن أتوقف عن استراق السمع، ولو كان معي سكيناً لقطعت أذني، والحمد لله أنني أخاف من السكاكين، لهذا أخذت بدلاً من ذلك منديل (كلنكس) ومسحت عليها.