«فلة» و«باربي».. صراع الحضارات!

TT

كنت على موعد مع أحد المخلصين الجمركيين وتاجر ألعاب أطفال كانا يرويان فيه معاناتهما مع الجمارك فيما يتعلق بتخليص عرائس الأطفال تحديدا، وكيف انها ممنوعة ومحرمة والتشدد يكون بصورة أكثر اذا كانت تلك العرائس من ماركة «باربي» تلك الدمية المعروفة. «ولكن هذه اللعبة موجودة في الأسواق» علقت بقولي. فأضاف المخلص الجمركي مبتسما «أما عن اخراجها وتخليصها من الجمرك فهذه لها طرق أخرى معروفة».

وتذكرت الحملة الهائلة التي انطلقت ضد عرائس «باربي» وكيف ان باربي هذه مثال لليهودية والصهيونية والغرب الحقير، وطبعا هي ايضا دمية والدمي حرام. وكتبت المقالات وانتشرت الآراء واقيمت المحاضرات وهي تحذر وتشدد وتندد من التعاطي مع باربي وأشباهها ومضار باربي وخطورة باربي وتحريم باربي. وبعد ذلك قامت مجموعة من المستثمرين العرب بانتاج دمية، روج لها بأنها «الدمية الاسلامية» لتقدم البديل الاخلاقي والديني والثقافي للأطفال، وأطلق على الدمية اسم «فلة» وتم التعاقد على تصنيعها في الصين وبدأ استيرادها وتوزيعها على محال الالعاب المختلفة والمكتبات وكان القبول جيدا عليها وأصدرت النشرات والمقالات التي ترحب وتشجع على شرائها.

وننتقل الآن الى صورة الطفلة التي ستشتري هذه العروسة فبعد ان قيل لها ان الدمية «حرام»؟ كيف ستقبل هي نفسها على شراء دمية أخرى؟ ألم يزل منطق تحريم الأولى يسري على الثانية؟ وتكرر هذا السؤال من أكثر من ولي أمر حين استفسروا عن هذا الشأن، ان اسئلة بريئة وبليغة كهذه هي التي تفتح المجال المحرج للازدواجية في الآراء وتناقض في المواقف مصغرين المنظور الديني للأمور الى مستوى لا يليق أبدا بدين في عظمة الاسلام. فخرنا واعتزازنا باعظم الشرائع وخاتم الأديان لا يجب ان يكون لأجل تحويله الى ماركة مسجلة فنسعى وبنهم لإضفاء «ختم الجودة الاسلامي» على كل منتج وخدمة كالحلاق الاسلامي والخياط الاسلامي والمستشفى الاسلامي وهكذا.

فكر كهذا وثقافة كتلك تكرس عملية التقوقع والانعزال عن الكون الذي نحن جزء منه. اعتزازنا بديننا هو ان ننخرط وبثقة واعتزاز في المنظومة العالمية والاضافة لها بقيم وعمل حقيقي. هناك الكثير ممن يروجون لفكرة صراع الحضارات في الغرب وينادون بها ولكن صدى هذه الفكرة موجود بيننا ويطبق بأساليب كثيرة وبالتالي نحن نلبي مطالب المتطرفين منهم بصورة مباشرة جدا.

وكل الأمل ألا تؤدي هذه الافكار والأساليب، مهما كانت حسنة النيات، الى تقوقع وانغلاق وانعزال، فكفانا ما سببه ذلك فينا وندفع ثمنه اليوم. نحن جزء من العالم حولنا وعلينا تقديم فكرنا وثقافتنا بالأسلوب المنسجم واللائق لا بالاستعداء والنفور.