وصفة عاجلة لمأزقنا في العراق

TT

اثارت صورة وتقارير الانتهاكات التي ارتكبت في سجن ابو غريب اهتماما واسعا في الولايات المتحدة، فالجنود المسؤولون عن ارتكاب هذه الفظائع لطخوا سمعة اميركا وعرضوا حياة الجنود الاميركيين في العراق للخطر. كما ان الجرائم التي ارتكبها هؤلاء قادت بعض المراقبين لطرح تساؤلات حول وجود الولايات المتحدة في العراق وعدالة قضيتنا.

لا شك في اننا سنفاقم من الاخطاء التي حدثت في ابو غريب اذا سمحنا لهذه الانتهاكات ان تنسف هدفنا المتمثل في قيام عراق حر وديمقراطي. فالنجاح في العراق لا يزال ممكنا، ولعل الحاجة اليه اليوم باتت ملحة اكثر من أي وقت مضى. وفيما الطريق الى النجاح يتضمن عددا من الخطوات، فإن بعض هذه الخطوات يعتبر ملحا وحاسما. إننا نعاني الآن من مشكلة امنية واخرى سياسية ونحتاج الى التوصل الى حل لكليهما.

على الصعيد الامني، ينبغي علينا ان نبدأ فورا في زيادة عدد قواتنا العسكرية في العراق، بما في ذلك مشاة البحرية (المارينز) والقوات الخاصة لكي تصبح قادرة على تنفيذ عمليات هجومية، فضلا عن اضافة قوات من نوع آخر تشتمل على مترجمين وضباط استخبارات وضباط في مجال الشؤون المدنية. فالاعتماد بصورة اساسية على ضباط وجنود الاحتياط وتمديد فترات عمل القوات بغرض ملء الفراغ الامني لن يكون كافيا. يجب على البنتاغون ان ينظر بجدية في إعادة نشر أعداد كبيرة من القوات من قواعدنا العسكرية هنا في الولايات المتحدة واوروبا واليابان وأماكن اخرى. ثمة حاجة الى هذه القوات على المديين القصير والمتوسط بغرض بسط الأمن والاستقرار في مواقع رئيسية والسيطرة على المتمردين وإعادة الاحساس بوجود سلطة ملموسة في البلاد.

ستكون حالة عدم الاستقرار في نظرنا في ازدياد طالما هناك التزامات ووعود امنية لم تنفذ. ما يمكن قوله هنا هو ان تراجعنا في الفلوجة شجع المتمردين واعطاهم دفعة، بل اقنع بعض العراقيين بأن الولايات المتحدة تفتقر الى الوسائل اللازمة لفرض مطالبها. وفيما يصعب انتقاد القرارات التكتيكية الصادرة من واشنطن، من الواجب على افراد قواتنا في العراق ان يظهروا تصميمهم على التمسك بالوعود والتعهدات التي قطعوها. فهذه القوات يمكن ان تظهر تصميمها وعزيمتها الكاملة فقط من خلال القيام بالعمل العسكري اللازم لدعم تصريحات وقرارات السلطات السياسية. جزء من هذا التصميم يجب ان يتجه نحو وضع نهاية لكل الميليشيات المستقلة في العراق، ذلك ان العراق لن يشهد استقرارا على الإطلاق طالما لا تزال هناك مجموعات مسلحة تجوب شوارع بعض المدن والمناطق. ويجب على سلطات التحالف ان تستوعب في الجيش العراقي الجديد اعضاء بعض الميليشيات بعد إخضاعهم لإجراءات التدقيق اللازمة ليصبح أمام هذه الميليشيات خياران، فإما ان تحل نفسها وتسرح اعضاءها الباقين طوعا او نفرض هذا الإجراء عليها.

الى جانب انتهاجنا استراتيجية امنية جديدة، نحن في حاجة الى التعامل مجددا مع الوضع السياسي في العراق. فالفشل في تحديد شخص لقيادة العراق عقب نقل السيادة، وفي ظل التشكيك في تاريخ تسليم السلطة للعراقيين يبدو في الافق فراغا سياسيا خطيرا، مما تسبب في سيادة احساس بعدم الطمأنينة وعدم الاستقرار. نحن في حاجة الى تقليل الشعور بانعدام الطمأنينة بأسرع ما يمكن وذلك من خلال الاعلان بوضوح عن خطتنا ازاء احداث ما بعد 30 يونيو (حزيران) المقبل، ابتداء من الالتزام بتسليم السلطة. اما اذا توصلنا الى قرار بأن الولايات المتحدة ستواصل احتلالها للعراق بعد 30 يونيو، فإننا سنغذي شكوك كل الذين يعتقدون ان الولايات المتحدة جاءت الى العراق لفتحه وليس لتحريره.

ينبغي ان يعني تسليم السلطة للعراقيين في 30 يونيو المقبل اكثر من مجرد نقل سلطة صنع السياسات من سلطة التحالف المؤقتة الى السفارة الاميركية الجديدة، اذ يجب ان تعني ايضا ما هو اكثر من تسليم السلطة، سواء كان لوزراء الحكومة او القوات العسكرية أو الى البعثيين الذين حاربناهم قبل عام. يجب ان يمثل تسليم السلطة الى العراقيين نقلا للسيادة على المدى القصير لحكومة مؤقتة تعمل على وجه السرعة لتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات عامة في البلاد، اذ ليس بوسع أي حكومة عراقية ان تستمد شرعيتها ببساطة من خلال تعيينها بواسطة واشنطن او منظمة الامم المتحدة، فالشرعية الحقيقية تستمد فقط من الخيار الحر للشعب العراقي.

ولهذا السبب، يجب ان ننظر بجدية في مسألة إجراء الانتخابات خلال خريف هذا العام بدلا من يناير (كانون الثاني) المقبل، ذلك ان العراقيين لا يملكون فرصة كبيرة الآن لتحويل رغباتهم السياسية الى قرارات حكومية، فالشيعة والسنة والاكراد يخافون جميعا الخسارة في اي عملية سياسية تهيمن عليها اطراف خارجية. وفي ظل هذا المناخ لجأ البعض الى العنف وربما يتبع هؤلاء كثيرون غيرهم. يجب ان ينصب التركيز السياسي في العراق على إجراء الانتخابات وليس على تأييد او معارضة واشنطن او الامم المتحدة. وبالتالي، فإنه من الضروري على كل من واشنطن والامم المتحدة ان تتحركان بأسرع ما يمكن في اتجاه إعداد خطة كاملة لإجراء انتخابات ديمقراطية في العراق تضمن تنافسا حرا ونزيها لليبراليين في الدوائر الانتخابية المحلية مع الاسلاميين المنظمين على المستوى القومي.

ويبقى ان مصالح الأمن القومي الاميركي وقيمنا الوطنية تتلاقى في العراق، لذا يمكن القول ان العراق بات محكا للولايات المتحدة ولدورنا في العالم. سنواجه نكسات، كما حدث الاسبوع الماضي، إلا ان تركيزنا يجب ان يظل منصبّا على هدفنا النهائي المتمثل في المساعدة على تشكيل حكومة عراقية مسؤولة تمثل الشعب العراقي وذات شرعية في نظر العراقيين والعالم على حد سواء.

*عضوا مجلس الشيوخ عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»