مـتى لم تــكن الظروف عصيبة ..؟!

TT

لم تكن ظروف انعقاد اي قمة عربية، منذ قمة تحويل روافد نهر الاردن في النصف الأول من عقد ستينات القرن الماضي، أفضل من ظروف انعقاد هذه القمة، إذْ في كل مرة انعقدت فيها قمة عربية كان العنوان «في مثل هذه الظروف العصيبة» وبهذا فإن ظروف أمتنا بقيت عصيبة خلال أكثر من ألف عام وبقي «الندابون» والخطباء العرمرميون يرددون: «في مثل هذه الظروف العصيبة».

كل أمم الارض تمر بظروف عصيبة، وحتى الولايات المتحدة التي هي أقوى قوة في العالم ظروفها الآن عصيبة، فهناك الاستنـزاف اليومي لقواتها في أفغانستان والعراق، وهناك ذيول ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر، وكانت هناك الحرب الفيتنامية واحتجاز الرهائن في طـهران والتفجيرات الشهيرة في بيروت والهروب المذلُّ من الصومال، ثم هناك «الايدز» وجنون البقر، والعنف العائلي وكوارث غزو الفضاء ... وعدم التجانس الأثني والعرقي الذي يزداد حدة يوماً بعد يوم.

الصين ظروفها عصيبة لأن مرض «السارس» يصيبها بالرعب ويتسبب لاقتصادها بمشاكل كثيرة. وروسيا ظروفها «أعْصَب» وأصعب فهي تغرق في الشيشان وهي الآن بعد إرث الاتحاد السوفياتي «العظيم» !! دولة ثانوية وهامشية. وبريطانيا التي كانت ذات يوم إمبراطورية لا تغيب عن أملاكها الشمس غدت «حدِّث ولا حرج». وفرنسا التي كان نفوذها يمتد من فيتنام في الشرق الى «غواديلوب» وكندا في الغرب أُخرجت حتى من افريقيا مهزومة تلعق جراحها، وبدأت تنكمش مرتجفة تحت وطأة تهديدات الهجرة الاسلامية. مَـنْ هي الدولة أو الامة التي ليست ظروفها «عصيبة» .. هل هي الهند التي يعيش ربع سكانها على الارصفة وفي الميادين العامة .. ثم هل هي اليابان التي لا تزال تعيش كوابيس «هيروشيما» و «نجازاكي» والتي لا تزال واقعياً تحت الاحتلال حيث القواعد الاميركية فيها تشبه الثآليل في وجه حسناء جميلة ....؟!

في العام 1982 كانت القوات الاسرائيلية تحتل بيروت وكانت سفن الترحيل، التي تحرسها بوارج اميركية، قد شحنت المقاتلين الفلسطينيين الى دول تبعد أقربها عن فلسطين آلاف الكيلومترات. وكان الشعب الفلسطيني فوق أرضه يعيش عزلة تُفتِّتُ الأكباد، وكانت هناك الحرب العراقية - الايرانية المدمرة والظالمة والبغيضة ومع ذلك فقد انعقدت قمة «فاس» الثانية في المغرب ونجحت في لـِّم شمل العرب الذين كانت تعصف بوحدتهم خلافات حرب الخليج الاولى. أيُّ قمة لم تكن ظروف انعقادها «عصيبة» وخطيرة وتاريخية ؟!.. هل هي قمة شرم الشيخ الاخيرة، أم قمة بيروت التي سبقتها، أم قمة عمان التي هي القمة الدورية الأولى، أم قمة بغداد الشهيرة، أم قمة الخرطوم التي انعقدت وأصدرت لاءاتها الباهتة بعد هزيمة نكراء لا يزال العرب يعانون من آثارها حتى الآن ..؟!

إن ظروف هذه القمة التي ستختتم أعمالها اليوم مثلها مثل ظروف كل القمم التي سبقتها .. كلها عصيبة وخطيرة وتاريخية وهي، أي هذه القمة، ستصدر بياناً ختامياً نحن بحاجة إليه، لأن المطلوب هذه المرة أيضاً هو لـِّم شمل الأمة ومعالجة الواقع العربي الراهن بالهدوء وبالواقعية، والمزيد من الواقعية وليس بصخب الشعارات والمزايدات والخطب الاستعراضية.