المستقبل لمفتاح الفأل

TT

ان من اصعب الامور في عالم السياسة التوقع بما سيحصل في الشرق الاوسط. فنحن قوم مبتلون بالعاطفة وهي الكلمة المؤدبة للجنون، والمجنون لا يدري ماذا سيفعل بعد دقيقة. ونحن قوم فرديون لا نفكر الا بأنفسنا ولم نكتسب بعد مشاعر الوطنية الاجمالية، وهذا يجعل من الصعب على المراقب ان يرسم المسار العام للبلد او المنطقة ككل. تصرف صدام حسين حسب هواه لا حسب مصلحة البلاد يلغي اي حسابات عقلانية نبني عليها توقعاتنا. والشعر ديوان العرب، والشعراء يتبعهم الغاوون وهم في كل واد يعمهون. وهذا يزيد من سلوكنا العاطفي والغيبي واللامنطقي. والشعر يعلم الانسان على الكذب، فأعذب الشعر اكذبه. لهذا فأنا لا اتابع او اعبأ بالتصريحات والاقوال ولا اقرأ تاريخنا. فالامة التي يلفق علماؤها مئات الاحاديث على نبيها، كيف يمكنك تصديق ما يقولونه؟

ادى ذلك بمرور الزمن الى هذا الشرود الذي يلاحظه من يحدثونني. استمع اليهم عندما يكون الموضوع نكتة او حكاية او طرفة، لكنهم حالما يحدثونني عن شيء جدي ابدأ بالشرود. ولهذا احذر الناس من الاصغاء للمقابلات والمناقشات. فكثير من كلامنا يقوم على الأدب. فعندما تثني على رباط رجل ويقول لك بالعرضة لا يعني ما يقوله. ومثل ذلك عندما يتكلم عن التضحية للوطن او احترام الرأي الآخر. وعندما يجيب على استبيان بأنه يريد جلاء القوات الاجنبية، فإنه يفعل ذلك من باب الواجب الادبي، دون ان يؤمن به او يسعى اليه، حتى التصويت لا يعني شيئا. فأنا اعرف مؤسسة صوّت مستخدموها بالاجماع على الاضراب. لكنهم بالاجماع حضروا للعمل في اليوم التالي.

التوقعات تقوم على المعلومات. وجمع المعلومات يقوم على الكفاءة والدقة والحرص على الحقيقة. وكلها عناصر قلما تتواجد في مؤسساتنا او يحترمها المسؤولون عندنا. لقد عملت في دائرة الاحصاء في العراق وعرفت كيف كنا نطبخ الارقام.

لقد انتقدت بالامس حضرات المساهمين في ندوة المنطقة والمستقبل في الكويت على عدم توغلهم في المستقبل. لكن لا ادري لماذا انتقدتهم. من اين لهم ذلك وقد نسفت المنطقة توقعات كل المراقبين والدبلوماسيين والمعلقين والمسؤولين الذين اضاعوا وقتهم في حسابات ما الذي سيحدث هنا او هناك. وهذا سر ايماننا بالقدرية. ففي آخر المطاف خليها على الله.