علم أم علمان

TT

كانت كل الدول الاوروبية تحتوي على دويلات دينية أو قومية مستقلة، لكن ادراكها للمصلحة ووعيها العقلاني جعلها تفضل الاندماج مع الوطن الاكبر.

هكذا كانت بريطانيا تتكون من دول اسكوتلندا وويلز وكورنول وانكلترا. ولكنك لا تجد الآن اسكوتلندياً يتكلم الكلتية أو كورنشياً يتكلم الكورنية، وقلما نجد ويلزيا يتكلم الويلزية أو يفكر بالانفصال عن انكلترا. كانت اسكوتلندا مملكة مستقلة وتختلف دينيا وقوميا ولغويا عن انكلترا، ولكن الاسكوتلنديين مشهرون بالحرص. حاولوا في القرن السابع عشر التوغل في عالم النهب الاستعماري كغيرهم من الاوربيين. ولكنهم منوا بخسائر جسيمة. ادركوا ان هذا النشاط يحتاج الى موارد كبيرة وقوة فانضموا الى انكلترا طوعيا.

نحن في الشرق الاوسط تحكمنا العاطفة وليس العقل، والمصلحة الفردية وليس العامة، والمدى الآني وليس المدى البعيد. في اطار ذلك يريد الاكراد الموزعون على اربع دول ان يقيموا دولتهم الخاصة بهم في عصر تسوده روح العولمة وليس روح الشرنقة. في اطار حق تقرير المصير هذا أمر يخصهم ويجب ان نحترمه. سيكونون هم الخاسرين، ولكن هذا أمرهم.

تعرضت لهذا الموضوع بالأمس وقلت ان معظم مشاكل العراق الحالية تعود للمسألة الكردية. وهذا يعني ان من الافضل للعرب في العراق نفض ايديهم من كردستان طالما كان أهلها يمقتون وحدتهم مع العرب ويتطلعون للاستقلال. تقليص الدولة العراقية وحصرها بالعرب ومن لا يعارضون الاندماج بهم سيسهل علينا ادارة البلاد واقامة الديمقراطية وتوحيد الكلمة ودعم علاقاتها الاخوية مع الدول العربية الشقيقة والتجاوب مع قضاياها، لا سيما قضية فلسطين.

الحل الفدرالي المطروح حاليا حل مرحلي بالنسبة لهم. فهم يتطلعون للاستقلال وتحقيق ذلك الحلم البعيد دولة كردستان الكبرى، حلم لا يقل خيالا ووهما عن حلم الوحدة العربية، لكنه حلمهم الذي يعيشون به ويسعون اليه. وهذا السعي سينغص علاقاتهم باستمرار مع اخوانهم العرب. شهدنا مثالين من ذلك خلال هذه الأشهر القليلة. تعلق الاول بالنص على ان العراق جزء من الامة العربية. اصروا على استثنائهم من ذلك وتغيير النص الى القول بأن عرب العراق جزء من الامة العربية. وأخيرا وجدنا هذا العلم السخيف امامنا. الشائع ان القادة الاكراد اصروا على التسرع في تغيير العلم والمجيء بعلم جديد يعزل العراق عن العالم العربي ويفصله عن تراثه العربي ويكون فيه ما يمثل الاكراد، (اللون الاصفر). ولا شك ان اسرائيل ارتاحت لهذا التغيير. سيسهل عليها ان ترفع الهلال وتضع نجمة داود في مكانه عندما تسيطر على العراق.

وهكذا اعطونا الآن نقطة جديدة نتنازع حولها مع الاكراد. وسيستمر هذا النزاع من نقطة الى نقطة. ولن أستغرب ان تتفجر احدى هذه النقاط فنجد حربا اهلية جديدة في كردستان بعد خروج القوات الاجنبية. ولكنها لن تقع بسبب العلم وانما لاسباب اكثر خطورة وأهمية، وهي توزيع الصلاحيات والمناصب واقتسام الدخل الوطني بين الحكومة المركزية والحكومة الفدرالية.

كل هذا الكلام عن استقلال كردستان خيال ووهم، فلا الظروف العالمية ولا الدول المجاورة ستسمح به. ما بقي هو ان يتعلم الكرد ما تعلمته الاقليات الاخرى في غرب أوروبا من منطلق العقلانية والمصلحة، وهو الاندماج بالوطن الاكبر والاحتفاظ بحكم محلي والايمان بمصير واحد وتطلعات مشتركة. واذ أنصح الكرد باقتفاء ما فعله الغربيون، أنصح العرب باقتفاء ما فعله الكونغو، عندما سعت كتانغا بالانفصال. جاءوا بتشومبي الزعيم الكتانغي ونصبوه رئيسا على عموم الكونغو، فبادر فورا الى تصفية قضية كتانغا.

www.kishtainiat.com