ليست نكتة.. من ينقذ إيران من إيران..؟!

TT

الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على انقاذ رجال الدين المتشددين في ايران من الانتهاء الى مزبلة التاريخ. فعلى الرغم من نفيها وإنكارها المتكرر، تبدو ايران في طريقها الى انتاج رؤوس حربية نووية وصواريخ لحملها، اذ من المحتمل ان تملك ايران اول سلاح نووي لها خلال فترة عامين، كما بوسعها مستقبلا انتاج كميات كافية من اليورانيوم المخصب في ناتانز لاستخدامه في انتاج 25 سلاحا نوويا سنويا.

الى ذلك ظل القادة الايرانيون يفلتون باستمرار من العقاب على جرائم القتل، كما ساعدوا، فيما يبدو في تفجير مقر قوات مشاة البحرية الاميركية (المارينز) في لبنان عام 1983، فضلا عن تورطهم في شن هجوم على معبد يهودي في الارجنتين عام 1994. لذا من السهل معرفة السبب وراء اعلان الرئيس بوش في الآونة الاخيرة ان مضي ايران في طريق انتاج سلاح نووي امر لا يمكن احتماله وإلا فإنه لا بد من حسم هذا الامر من خلال منظمة الامم المتحدة.

تشكل ايران في نظر جورج بوش خطرا لا بد من حسمه، كما ان الاتجاه الى اتخاذ نهج متشدد مع طهران لا يعتبر امرا حزبيا، ذلك ان جون كيري اذا نجح في الوصول الى البيت الابيض في انتخابات الرئاسة المقبلة سيتبع نهجا اكثر مواجهة مع ايران، على الرغم من انه لن يكون نهجا أحاديا على الأرجح.

إلا ان هذا التوجه سيكون خاطئا، للأسباب الآتية:

أولا، هذا النهج لن يحقق النجاح المطلوب. فإذا عرضت مسألة ايران أمام مجلس الأمن، ستبدأ العمل مجددا في برامجها بعد ان علقت العمل في جزء منها على الأقل، كما انها ستطرد المفتشين. أي ان ايران لن ترد على المزيد من الضغوط بالتخلي عن برنامجها النووي، بل ستتجه الى تسريع خطوات العمل فيه.

ثانيا، من شأن نهج المواجهة ان يسفر عن رد فعل قومي في ايران يبقي على المتشددين في السلطة الى اجل غير مسمى. فقد افضت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الى الإبقاء على الديناصورات في السلطة في كل من كوبا وكوريا الشمالية وبورما، وأخشى ان تفضي الى نفس النتيجة في ايران.

السيناريو الذي اخشاه فعلا هو ان يفرض الغرب مزيدا من الضغوط على ايران لتتجه هي بدورها الى الإحجام عن التعاون مع عمليات التفتيش وطرد المفتشين خارج اراضيها، واحتمال ضرب اسرائيل لمواقع نووية ايرانية (نوقش هذا الاحتمال على نطاق واسع في دوائر امنية، هذه الخطوة ربما تبطئ عمل ايران في برنامجها النووي دون ان توقفه تماما). المحصلة النهائية لهذا السيناريو تتلخص في استغلال حكام ايران لتنامي المشاعر القومية نتيجة هذه الاحداث بغرض البقاء في السلطة بصورة اكثر عنفا وتشددا من ذي قبل.

قال لي رجل اعمال ايراني خلال زيارتي الى ايران هذا الشهر انهم «يحبون اميركا»، لكنه اضاف قائلا ان من حق ايران ان تنتج سلاحا نوويا. كما ابدى اعتقادا قويا في ان الايرانيين سيشعرون باستياء وغضب شديدين ازاء أي تدخل من جانب الولايات المتحدة في شؤون ايران، وقال معلقا: «نحن دولة لها تاريخها ولها حضارة قديمة نعتز ونفخر بها. كيف تملك اسرائيل اسلحة نووية ولا يسمح لايران بامتلاك هذه الاسلحة؟ انه امر يثير غضبي؟».

اما الشابة ماريان ناصري، فقد شكت من النظام الحاكم، لكنها قالت انها ستؤيده في أي مواجهة بشأن الاسلحة النووية، مؤكدة ان ايران ستملك قطعا هذا النوع من السلاح، بل انها لا تستبعد ان تكون قد امتلكته بالفعل. فالأمر بالنسبة لها يتلخص في ان «من حق ايران امتلاك سلاح نووي». وقالت موجهة حديثها لي: «نحن ايرانيون، فماذا تتوقع؟ فمثلما تريد اميركا ان تكون قوية، نريد نحن ان تكون ايران قوية».

الايراني مسعود طاهري كان اكثر انفعالا عندما وجه حديثه لي قائلا: «رئيسك يتهجم علينا بوصفنا بالدولة المارقة والتشكيك في حضارتنا التي يعود تاريخها الى 5000 عام مضت. ما هو عمر حضارتكم؟».

ما اود قوله هنا هو ان هدفنا يجب ان يكون تغيير النظام الحاكم في طهران، ولكن اذا كثرت ضغوط بوش وكيري على طهران بشأن برنامجها النووي، فإننا سنفشل في التخلص من برنامج ايران النووي ونظامها الحاكم على حد سواء.

لذا فإن البديل الوحيد هو عدم فك الارتباط معها نهائيا، أي تحاشي سياسة العقوبات والعزلة التي كانت سمة للسياسة الاميركية تجاه طهران خلال ادارتي كلينتون وبوش. ذلك ان العقوبات كانت اقل فعالية ضد ايران مقارنة بكوريا الشمالية، على سبيل المثال، لان ايران دولة نفطية وثرية. أما العزلة التي حاولت الولايات المتحدة فرضها، فقد اسفرت عن نتائج لا تذكر مع ايران مقارنة بكوبا.

يجب إذن ان نتبع سياسة يمكن من خلالها الإبقاء على تجميد ايران لعمليات تخصيب اليورانيوم وإقامة علاقات دبلوماسية معها مع تشجيع الاستثمار التجاري والتبادل التعليمي والسياحي.

يقول هوشانغ أمير أحمدي، رئيس المجلس الاميركي ـ الايراني، ان الشيء الوحيد الذي يمكن ان يدمر المحافظين في ايران هو تدفق اموال الاستثمارات الاميركية، اذ يتوقع ان يؤدي ذلك الى إنهاء المحافظين خلال بضع سنوات فقط. المحصلة النهائية تتخلص في اننا من المحتمل ان نرى قريبا ديمقراطية اسلامية مؤيدة لاميركا كبارقة امل في الشرق الاوسط ـ في طهران وليس في بغداد ـ إلا ان الخطر يكمن في اننا سنتسبب في فشلها.

*خدمة نيويورك تايمز