فوضى السوق

TT

ساخر وحزين مشهد ما يحدث في صالات التداول في العديد من المصارف السعودية هذه الايام تحديدا. ترى فيها الوجوه المثارة والحزينة والسعيدة في خلال ايام الاسبوع وذلك بحسب ظروف تداول السوق ووضع الاسهم وتقلباتها وأسعارها وما يصاحب ذلك من أحداث. وليس غريبا أن ترى من سحب كل مدخراته ووضعها في تجارة الاسهم وآخر باع أرضه ليتاجر بالاسهم، وغيرها من القصص الساخرة والحزينة في نفس الوقت التي توضح مدى القبول الشعبي الهائل لـ"وعود" و "مطامع" و"مكاسب" سوق الاسهم الذي ارتفع بشكل جنوني لا علاقة له أبدا بأصول الربح والخسارة، ولا قواعد العرض والطلب، فهذه الصالات كانت أقرب لقاعات "قمار" منها الى سوق اسهم. فحجم المضاربات المريب على أسهم بعينها أو قطاعات بعينها ترتفع وتهبط لاسباب مجهولة وغير منطقية أقل ما تثير من أسئلة غريبة محورها ريبة وشك وقلق.

وهذا الوضع المقلق لسوق الاسهم السعودية يثير أكثر من علامة استفهام والكثير من علامات التعجب. أين الرقابة الحقيقية على ما يحدث في هذا السوق الطائش؟ الكثير يعلمون بوجود تقارير "منمقة" تظهر محاسن شركات وتبرز عيوب أخرى لأغراض معينة الغرض منها تحريك السوق في اتجاهات شديدة. تضارب المصالح مستشر أيضا وهناك تجاوزات معروفة في علاقات ما بين مجالس بعض الشركات وبعض البنوك وبعض المساهمين. وهذه كلها ارضية خطيرة توجد بيئة مضرة وفاسدة للتعامل وتطرح السؤال المهم: لمصلحة من تستمر "الفوضى" بهذا الشكل في السوق ومن المستفيد من بقائها؟ من الواضح أن هناك اطرافا تستفيد فعلا من اختفاء المحاسبة والمساءلة والضبابية الموجودة على مجريات الامور لأن ذلك من شأنه زيادة النفوذ وتكثيف فرص الربحية. كذلك فإن "تعطيل" العمل بنظام سوق المال الذي طال انتظاره جدا يصب في مصالح نفس الجهات المستفيدة.

وبقدر الفرحة والنشوة المصاحبة للتصاعد الهائل في حجم التداول وقيمته بالبورصة السعودية الا أن الفوضى والغموض الحاصلان فيها يجعلان أي مراقب موضوعي لما يحدث يتعجب ويتساءل: ترى كم كان سيصبح حجم الاستثمارات والعوائد لو كانت فعلا توجد الملاءة النظامية المناسبة والملائمة لذلك. من الطبيعي أن تحصل انتكاسات وانهيارات وحركات تصحيح في اي سوق مالي بالعالم. ولكن من غير الطبيعي أن تبقى مجريات ما يحدث في ساحة سوق الاسهم بهذا الغموض. أوليس من الغريب ألا يعلن عن معاقبة اي مخالف من مراكز الاستشارات أو المصارف أو مكاتب الاسهم أو أعضاء مجالس الادارات أو الكوادر التنفيذية بالمصارف حتى الآن؟ الاصلاح المالي في أسواق الاسهم العالمية حدث بعد العديد من الفضائح المالية التي هزت الثقة في الاسواق وكل الأمل أن يحصل ذات الشيء لدينا قبل تفاقم الأمور.