رجاء: مزِّق ذلك المقال!

TT

تفاوتت مشاعري حيال الرئيس ياسر عرفات خلال العقود الاربعة الماضية مع تقلبات النفس البشرية وضعفها وتأثرها بما حولها. لكن برغم هذا التفاوت وتقلب الزمن ومتغيرات السياسة حافظت على ود لم يتأثر بالحرب في قلب بلدي، ولا بموقف ابو عمار في غزو الكويت. وفوق ذلك كله، حافظت على علاقتي الادبية والوطنية وحتى الشخصية مع الرجل، برغم ما احسبه من اعتبار للسياسة السورية، وبرغم حالة العداء الشديد ذات مرحلة بين الرجل ودمشق. وكنت اقبل، او حتى اتقبل، نقد البعض لوقوعي «تحت التأثير العرفاتي» ولكن دون ان يغير ذلك في موقفي او في اسلوبي او في طريقتي بالكتابة او بالحديث عن ياسر عرفات.

في ذكرى 40 عاماً على تأسيس فتح كتبت سلسلة من الذكريات حول دور عرفات في تلك المرحلة. وبعد ذلك بأشهر كتبت ادعو ابو عمار الى التخلي وتهيئة بديل له. وسألني كثيرون عن «هذا التحول». والحقيقة ان التفاوت في الرؤيا ليس تحولا. وانني ما زلت على قناعة بأن على أهم زعيم فلسطيني في تاريخ القضية ان يعد خلفاً له لكي لا تقع القضية في الفوضى. ولكنني عندما قرأت وسمعت دعوات سياسية اخرى تطلب من الرئيس عرفات التنحي وان يتأمل وجهه جيداً في المرآة، شعرت بندم كبير لما كتبت. فأنا لا اريد ان ابدو جزءاً من موقف سياسي. ولا اقبل في عمري التأثر بالاملاء. ولا اريد لعلاقتي بالقضية الفلسطينية، غير ما كانت عليه وظلت منذ اللحظة الاولى التي التقيت فيها ياسر عرفات في مقهى على الروشة، يوم هو بعد مشروع قدري وانا بعد مشروع صحافي.

تفاوتت كثيراً مشاعري السياسية حيال ياسر عرفات. لكن مشاعري الوطنية والشخصية لم تتغير لحظة واحدة. ولا التقدير الشديد العمق الذي اكنه لدوره وصلابته وصموده التاريخي غير المسبوق. والتقدير الذي اكنه لمقدرته على ضبط النفس وطبع القبلات والتغاضي عن اشياء كثيرة، ولي، كمواطن عربي، على ياسر عرفات مآخذ كثيرة. واعرف ان بعض من حوله لا يطاق، واعرف ان ثمة عفنا كثيراً في دولة الدانمارك، ولكن هذا كله شيء، ومكانة ياسر عرفات في تاريخ فلسطين شيء آخر. لا مكانة شبيهة بها لأحد.

وربما اذا تطلع عرفات في المرآة اليوم رأى وجهاً عجوزاً وسمع نطقاً مرتجاً. لكن تاريخ الزعامات واحجامها لا يقاس بانعكاسات المرايا المذهبة. لقد كانت معالم الملك حسين في ايامه الاخيرة محزنة الى درجة مبكية. وانا واثق بأنه لم يكن يطيق النظر الى المرآة لأن لا علاقة لها اطلاقاً بموقعه في تاريخ الاردن. فلا قبل ولا بعد. وبعض الرجال يكونون لبلدانهم رجلاً واحداً. خاصة البلدان المعذبة والمتعبة والمهددة. مثل الاردن او مثل فلسطين.

مضت سنوات الآن لم ارَ فيها ابو عمار. ومضت فترة طويلة لم ارَ فيها احداً من الذين يحملون التحيات اليه. خصوصاً معارضيه. فعندما التقيت الاستاذ نبيل عمرو في القاهرة قبل عامين، وبعدما عرض بكل محبة دواعي واسباب معارضته، قلت له وانا اودعه: لا تنس السلام على الختيار! اكتب هذه الكلمات لاعتذر عما كتبت قبل فترة وسيطة حول مطالبة الرئيس ياسر عرفات بالتنحي. انني اعتذر منك. واعتذر من قرائي. وانت تعرف اكثر من سواك انها، كالعادة، غضبة صدق مع النفس. لكنني عندما اجد انك معرض للهجوم، اعود فوراً الى موقعي الاول. لا احب الوقوف في الطوابير.