وزير فاشل.. ولكن من يقنع جورج بوش..؟

TT

إذا طبقنا المقاييس العادية في مجال التجارة أو الصناعة أو العمل الحكومي، كان من المفترض أن يستقيل رامسفيلد أو يطرد قبل فترة طويلة. والسبب هنا ليس الآيديولوجيا التي يحملها، ولا دوره في سجن أبو غريب، على بشاعة هذين الدورين، وإنما انعدام الكفاءة لديه. فأداؤه في العراق خلال الأشهر الثلاثة عشرة الماضية هو دون ريب الأقل كفاءة من أداء أي موظف حكومي في التاريخ الحديث لأميركا. ففي ابريل 2003 دخلت القوات الاميركية منتصرة إلى بغداد، ولكنها اليوم لا تستطيع أن تمنع جريمة اغتيال على عتبة رئاسة التحالف. ومع أنه لم يبق على تسليم السيادة للعراقيين سوى ستة أسابيع لا أكثر، إلا أن أحدا لا يعرف كيف سيكون شكل هذا النظام الجديد.

رامسفيلد هو المسؤول عن كل ذلك. فقد سعى إلى نيل هذه المسؤولية عن عراق ما بعد الحرب من الرئيس بوش ونالها. وتجاهل كل الدراسات التي أعدتها وزارة الخارجية عن الصعوبات المتوقعة. واعتمد على أحمد الجلبي واعتمده مستشارا، كما أن معلوماته الاستخباراتية كانت هي الأخرى مزورة. وقد حصل الجلبي ومنظمته على 39 مليون دولار من الحكومة الأميركية التي لم توقف إمداداتها السخية عنه إلا الاسبوع الماضي.

وقد تمخضت عن كل الأعمال التخريبية كارثة ضخمة بالنسبة للتحالف، فتأثرت إمدادات الكهرباء والمياه بصورة كبيرة. ولكن الدمار المعنوي كان أفدح من كل ذلك، ومع هذا وعندما سئل رامسفيلد عن النهب وقتها قلل من شأنه قائلا إنه ليس أكثر من افتقار للنظام.

من جهته استهل بريمر، رجل رامسفيلد في العراق، عمله بحل الجيش العراقي عن بكرة أبيه. والنتيجة هي ملء الشوارع بمئات الآلاف من البشر لا دخول لهم ولا كرامة. وهي وصفة ناجعة للغضب والسخط. وبعد فترة من ذلك، وبعد ضغوط وطنية متصاعدة، حاول بريمر أن يتراجع عن عبثه بتعيين بعض الضباط السابقين. بل كانت الطريقة التي رآها صائبة لحل قضية الأمن في الفلوجة بإسناد أمر المدينة لمجموعة من الضباط السابقين من مؤيدي صدام حسين.

ورامسفيلد هو الذي اعتقد أنه من الحكمة انتهاك معاهدة جنيف الثالثة التي وقع عليها هذا البلد، واعتبر من طرف واحد جميع السجناء المعتقلين في غوانتانامو «مقاتلين غير شرعيين»، أي لا يمتلكون الحق بالمحاكمة التي تضمنها المعاهدة. وقد أثارت هذه السياسة ادانة في مختلف أنحاء العالم. وقال القاضي البريطاني الكبير اللورد ستين ان غوانتانامو «مأزق قانوني».

والى ذلك كان تغييب القانون في غوانتانامو مقدمة لانتهاكات أبو غريب. والآن، يمكن ان يقود أبو غريب مباشرة الى رامسفيلد وفقا لسيمور هيرش في العدد الأخير من «النيويوركر» ،فنتائج هذا العرض من العجز سلبية لأميركا. فالبلدان الصديقة لنا منذ زمن بعيد تغلي بمشاعر مناهضة لنا. ومن الصعب رؤية أي مخرج من المأزق الذي خلقه رامسفيلد في العراق. ونحن الآن نجد أنفسنا نناشد بطلب المساعدة من الأمم المتحدة التي بقينا نزدريها حتى الفترة الأخيرة.

ان الاتجاه المشرف لسياسي كبير مسؤول عن هذه الكوارث هو الاستقالة. وقد أظهر اللورد كارينغتون، وزير الخارجية البريطاني، مثل هذا الموقف عندما استقال بعد أن قامت الأرجنتين باحتلال جزر الفولكلاند التابعة لبريطانيا عام 1982، على الرغم من انه لم يكن مسؤولا بشكل كبير ومباشر عن ذلك. ولكن رئيس رامسفيلد أظهر ان المسؤولية عن الكارثة لا تعني شيئا. فقد أبلغ الرئيس بوش وزيره رامسفيلد الشهر الحالي قائلا «أنت وزير دفاع قوي. والشعب مدين لك بالامتنان».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»