حماية الريال في أستراليا!

TT

تخيلوا انه يتعين على الصحيفة دفع مبلغ 50 ألف دولار من اجل التحدث إلى إمام مسجد بضع دقائق، للوقوف على مصداقية جمع تبرعات خصصت لشراء مسجد في استراليا. وذلك بحجة أن «الصحافة تربح الملايين كل عام من نشرها أخباراً عن فلان وفلان، وانتم تريدون التحدث لسماحة الشيخ مجانا»، حسب وصف احد المقربين من الشيخ. والذي يضيف بأنه يتعين على الصحيفة أن تدفع «على الأقل 50 ألف دولار..»!

ندفع ونحن الذين بحت حلوقنا محذرين من التساهل في جمع التبرعات وضرورة التثبت من رحلة الريال من جيب المتبرع إلى جيب المستفيد، أو حسابه! بل ونطالب بضرورة إعادة توجيه العمل الخيري ليصبح الاقربون أولى بالمعروف.

القصة تكمن في خلاف على بيع مسجد في استراليا يزعم الراغبون بشرائه أنهم يريدون الظفر به قبل أن يختطفه البوذيون واليهود، ويطالبون السعوديين بجمع تبرعات من اجل توفير مبلغ مليونين وستمائة وخمسة وستين ألف دولار!

وبالفعل انتشرت رسالة عبر الهاتف الجوال في السعودية نصها «أدركوا المسجد في استراليا قبل أن يصير معبدا»، وتتضمن الرسالة رقم الحساب البنكي، واسم البنك، واسم الشخص الذي يودع المبلغ بحسابه، وجاء في الرسالة «ساهم ولو بنشر الرسالة».

يحدث كل ذلك في الوقت الذي يوجد فيه في استراليا أكثر من خمسين مسجدا ومصلى، بل أن مفتي استراليا نفسه يؤكد أن المسجد المزمع شراؤه لا يبعد إلا عشر دقائق سيرا على الأقدام من المركز الإسلامي والذي فيه مسجد لاكمبا الأكبر في استراليا.

مفتي المسلمين في استراليا يقول عن النية لشراء هذا المسجد «إساءة للجالية الإسلامية الاسترالية قبل أن تكون ابتزازا للمخلصين في البلاد العربية والإسلامية». وقد بعث بفاكس لعدد من المسؤولين السعوديين يحذرهم فيه من عملية الشراء. وعدا عن عدم مصداقية القصة بوجود منافسة بوذية يهودية، فالمبلغ المطروح غير صحيح أيضا وبزيادة تصل إلى مليون دولار!

ما كشفه التحقيق الصحافي يشير إلى شبهة أن هناك عملية ابتزاز لمشاعر الناس فقط من اجل الحصول على أموال. وهذا ليس كل شيء، وإنما يبدو أن هناك محاولة لاختبار القرارات الصارمة بعملية جمع الأموال في السعودية بالالتفاف عليها من خلال الرسائل المكتوبة عبر الهاتف الجوال، أو غيره.

وهذا أمر محير خصوصا وقد رأينا حجم الاستغلال والإساءة للعمل الخيري، ورأينا بأعيننا كيف يتحول الريال الذي ندفعه عبئا على بلدنا وعلينا، ناهيك من الاستغراب من محاولة جرنا مرة أخرى لمعارك مع العالم بحجة فعل الخير، وتجاهل أن أبناء الدار أولى بتلك المبالغ، ويحتاجونها في قطاعات أخرى مهمة وليس بناء المساجد فقط. فطالما استطاع صحافي بعشرة اتصالات أو أكثر التحقق من قصة مثل هذه، فحري بنا جميعا والأجهزة المعنية التثبت من صحة تلك الادعاءات.

صحيح أن هناك أناسا ذو نوايا حسنة يتم التلاعب بصدق مشاعرهم وابتزازهم من حيث لا يشعرون، لكن المؤكد، والذي لا بد من قوله، ان الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة.

[email protected]