هل تتكرر (الخيبة الأولى) في الحرب على الإرهاب..؟

TT

الحق: ان العالم كله قد وقف مع الامة الامريكية وهي تواجه تلك القارعة في ذلك اليوم العصيب 11 سبتمبر 2001 .

ولكن هل كانت هناك (مهارة) في ادارة الصراع مع الارهاب؟ كلا، لم تكن هناك (عبقرية) تستثمر هذه الوقفة العالمية الكبرى المناهضة له، وتوظفها في استراتيجية نزيهة وجادة وراشدة التخطيط والتنفيذ.

ومن الاكثر رجحانا ـ في غياب المفهوم الصحيح والتدابير النزيهة والمسؤولة ـ: ان يتكرر الفشل الماضي: ان تبوء الحملة (الجديدة) على الارهاب بذات الخيبة التي باءت بها الحملة الأولى. ولكن ما الحملة الجديدة؟ منذ يومين أعلن البيت الأبيض أو حذر من هجمات كبرى ارهابية على الولايات المتحدة، بل أوغل اعلان البيت الأبيض في التفاصيل حيث قال: «إن الارهابيين يستهدفون قمة الدول الثماني، واحتفالات ذكرى الحرب العالمية الثانية، واحتفالات اعياد الاستقلال، وحفل تنصيب الرئيس الامريكي في يناير 2005». واكب هذا الاعلان: مؤتمر صحافي شارك فيه وزير العدل، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي. وكان موضوع المؤتمر الصحافي هو: التهديدات الارهابية الجوية الجديدة التي تواجهها الولايات المتحدة، وهي تهديدات (موثقة) كما قالوا!!

وهناك تفسيرات شتى لهذه (القفزة) الجديدة في سياق مكافحة الارهاب. ومن هذه التفسيرات: احتواء (الاتهام بالتقصير) في احداث 11 سبتمبر. والتعتيم على المشكلات الاقتصادية بصورها المختلفة، والتعمية على خيبات السياسة الخارجية في العراق وغيره. ورفع معدلات الاحساس بالخطر لدى الناخب الامريكي رفعا يجعله ـ وهو يتوجه الى صندوق الاقتراع بعد خمسة أشهر ـ: ينعطف على قادة وأساطين الحرب على الارهاب.

وعلى الرغم من وجاهة هذه التفسيرات: ما ينبغي ان يُستبعد ـ باطلاق ـ: ان تكون التهديدات الارهابية حقيقية وجوية، فمنذ احداث سبتمبر ـ مثلا ـ لا يكاد يمر اسبوع دون ان يصعق العالم بحادث ارهابي، في هذا المكان أو ذاك، وبافتراض ان الارهاب يصعّد ـ وفق الرواية الامريكية ـ: فهل ثمة خطة أمريكية راشدة وناجحة لمواجهة هذا (البلاء العالمي)؟ قلنا: إن العالم كله ـ تقريبا ـ وقف مع الامة الامريكية في محنتها العصيبة، لكن هذا التعاطف الذي صَعَد بسرعة ـ وهذا شيء طبيعي ـ: تدنى الى أدنى معدلاته بسرعة كذلك، وهذه معضلة يسأل عنها قادة الادارة الامريكية، فمن المؤكد ان هذا التراجع المذهل في تأييد امريكا ليس سببه: ان سكان الكوكب قد عَدَلُوا عن بغض الارهاب، وضرورة مكافحته، وانما سبب التراجع هو (الشك العاصف في دوافع امريكا ومقاصدها في مكافحة الارهاب). كيف تستطيع الادارة الامريكية: ان تكافح الارهاب اذا كانت بسياساتها ومواقفها: توقد جذوة الارهاب، وتشعل نيرانه، وتكثر اسبابه ودواعيه (كم هو عدد الذين جندتهم التصرفات الامريكية في سجن أبو غريب لينخرطوا في خلايا الارهاب. ان هذه التصرفات وأمثالها (شارون رجل سلام. وقصف المظاهرة السلمية دفاعا عن النفس). هذه التصرفات والسياسات تشحن قطاعات واسعة في العالم الاسلامي شحنا عاليا بالكراهية العميقة لأمريكا. والكراهية العميقة هي أوسع وأخصب مناخات الارهاب. فهل يُحصد هذا الوباء بيد في حين ان هناك يداً أخرى: تزرعه وتتعهده بالتخصيب والتنمية؟ وانحسار تأييد أمريكا على مستوى عالمي، في هذه القضية موثق بقرائن لا حصر لها. ومن هذه القرائن ما قاله (مغناد ريساي) ـ عضو مجلس اللوردات البريطاني ـ اذ قال: لقد تبعثرت موجة التعاطف مع الولايات المتحدة، فهذا البلد قضى على الارادة الحسنة بسبب غروره، واصبح العديد من الناس الذين لم يعتبروا انفسهم ـ قط ـ معادين لامريكا، يشعرون اليوم بتوتر شديد تجاهها، ويرجع ذلك الى السياسات الامريكية الجديدة المشبعة بالأنانية والفردية،، ومن هذه القرائن: استطلاع للرأي اجرته مؤسسات امريكية هي: يو اس تودي. وسي ان ان. وغالوب. وقد اثبت هذا الاستطلاع: ان معيار الثقة في أن واشنطن ستكسب الحرب ضد الارهاب، انخفض الى 33% بينما كانت النسبة بُعيد أحداث 11 سبتمبر تتراوح بين 72 و 79 في المائة، والقرينة الثالثة: استطلاع للرأي ايضا: اجراه مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، ومن نتائج هذا الاستطلاع: ان الاوروبيين يتخذون موقفا نقديا تجاه الادارة الامريكية الحالية، وتجاه ما يعتقدون انه (نهج أحادي يمارسه طرف واحد) في مجال السياسة الخارجية، فنسبة 85 في المائة من الالمان، و73 في المائة من البريطانيين، و68 في المائة من الايطاليين يعتقدون ان الولايات المتحدة تنطلق من مصالحها الخاصة في حرب الارهاب.

ووراء هذه النتائج والآثار والتبدلات والتراجعات المذهلة في الثقة والتأييد: علل معينة منها:

1 ـ بدت الحملة على الارهاب وكأنها (حرب صليبية) ـ على الاسلام والمسلمين ـ: أُعدت من قبل، ثم انتظر قادتها (الحدث) لشنها وايقادها. وإلا فكيف تُحمّل أمة كاملة خطيئة نفر منها قالوا انهم فعلوا في نيويورك وواشنطن كذا وكذا؟، لئن صح هذا ـ في ميدان العدل والخلق ـ، فإنه لصحيح ايضا ان تلعن الامة الامريكية كلها بسبب ما فعله ضباط وجنود امريكيون ـ باشراف الجنرال سانشيز ـ في سجن أبو غريب مثلا!!

2 ـ دس (الاجندة الصهيونية) في حملة مكافحة الارهاب. وهذا انحراف غبي وشرير وواسع النطاق بالحرب على الارهاب. فالصهيونية ذاتها هي: (النموذج العالمي) الاشد قبحا في مجال الارهاب. فالفكر الصهيوني قد أصّل الارهاب تأصيلا على السنة قادته وأقلامهم. ثم جاء السلوك الصهيوني ليطبق الفكر الارهابي في عالم الواقع: قبل قيام اسرائيل وبعدها، والى يوم الناس ويستحيل اطفاء نار الارهاب بلظى الارهاب الصهيوني، ومن هنا كان دس الاجندة الصهيونية في هذه القضية: علة من علل فقدان ثقة الناس في خطط امريكا الرامية الى مكافحة الارهاب.

3 ـ ومما يدخل في (تفخيخ) مكافحة الارهاب بالاجندة الصهيونية: ان الحرب على العراق: شنت في نطاق مكافحة الارهاب. فأسلحة الدمار الشامل التي زعم ان العراق يمتلكها: اتخذت ذريعة لوأد (إرهاب الدولة). ثم ان النظام العراقي الساقط: اتهم بالعلاقة الارهابية مع تنظيم القاعدة، وهذا كله خدمة لـ (الاجندة الصهيونية). وهذه نخبة من كبار المسؤولين الامريكيين (توثق) حقيقة ان (العسكرية الامريكية)، وامكانات الحرب على الارهاب: سخرت لخدمة الاجندة الصهيونية:

أ ـ انتوني زيني، جنرال امريكي كبير، إذ كان قائدا للقيادة الوسطى: فتح فمه في الاسبوع الماضي بما يفزع ويصعق فقد قال: ان الحرب على العراق دبرتها حفنة معروفة في الادارة الامريكية من أجل خدمة اسرائيل، وهذا هو التفسير الوحيد للورطة الامريكية في العراق. في حين ان المكافحة الصحيحة المجدية للارهاب كانت توجب عدم شن هذه الحرب.

ب ـ بول أونيل ـ وزير الخزانة الامريكي السابق ـ يقول ـ في ثمن الولاء ـ: كانت هناك وثيقة لوزارة الدفاع بتاريخ 5 مارس 2001 تحمل عنوان (الاجانب الذين يريدون عقودا في حقول النفط العراقية) ولقد اطلعت على وثائق سرية للغاية تتضمن خططا لعراق ما بعد صدام، وهي الخطط التي نوقشت في يناير وفبراير عام 2001.

ج ـ ريتشارد كلارك ـ الذي كان مسؤولا عن مكافحة الارهاب في مجلس الامن القومي الامريكي ـ: سجل هذه الحقيقة المزلزلة فقال: «ان الادارة تجاهلت التهديد الذي كان يمثله تنظيم القاعدة قبيل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، على الرغم من علمها بهذه التهديدات، كنت انا وتينت نشعر بالأسى دائما لأن تنظيم القاعدة لا يعالج بالجدية اللازمة من جانب الادارة الجديدة، وإنه حتى بعد هجوم سبتمبر واختباء بن لادن في أفغانستان ارادوا ضرب العراق بعد هجمات سبتمبر مباشرة، على الرغم من عدم وجود أي علاقة بين العراق والهجمات. ومن الوقائع الثابتة الموثقة: ان خطة الحرب على العراق قد أعدها الفريق الصهيوني في واشنطن وفي مقدمتهم ريتشارد بيرل، وبول وولفويتز، وجيمس بافيت، وكارل روف وأمثالهم: أعدوا هذه الخطة قبل 5 سنوات من شن الحرب!! ومما لا ريب ان هذا (العجن) المتعمد والكامل بين الاجندة الصهيونية ومكافحة الارهاب: حمل معظم الناس في العالم على سحب ثقتهم من خطط الحرب على الارهاب في صورتها وبواعثها وأهدافها هذه. ويخشى: ان تكون التهديدات التي أعلنها البيت الابيض حقيقية، ومع ذلك يقابلها الناس بفتور وشك وعدم اكتراث، لأن لسان حالهم يقول: إن من يشن حربا ـ فيها دم وموت وخراب ـ على أساس كذبة، لا يستغرب عليه ان يكذب في ميادين أخرى.

ما العمل؟

إذا كانت الولايات المتحدة صادقة فيما أعلنته، جادة في مواجهة المخاطر، فإنه يتعين عليها وبالضرورة العقلية والواقعية ـ:

1 ـ أن تأخذ العبرة من الخيبة الأولى المتمثلة في فقدان الثقة بالأداء الامريكي في هذا المجال، وفي تراجعات التعاطف والتأييد.

2 ـ تحرير مكافحة الارهاب ـ في الباعث والوسيلة والهدف ـ من الاجندة الصهيونية المشؤومة.

3 ـ إصلاح سياساتها الخارجية المثقلة بنقائص الظلم والاستفزاز والاستعلاء والتفرد والهيمنة.

4 ـ الاصغاء الرشيد النفعي المتمدن لوجهات نظر عقلاء العالم في قضية الارهاب: ابتغاء قيام تعاون عالمي وثيق وموفور الثقة وعالي الهمة في هذه القضية.

وإلا، فإن الولايات المتحدة ستقود نفسها والعالم إلى كارثة محققة على المدى: القصير والطويل.. هذا أمر مؤكد ويقيني.