حكومة «سنيعية»

TT

تعني كلمة «السنع» في اللهجة الخليجية الطريق الصحيح، فكم غنت المطربة الشعبية الكويتية الراحلة عودة المهنا بسامري شهير بحثا عن درب السنع، ورددت:

يا ناس دلوني درب السنع وينه. بمعنى دلوني على أفضل الخيارات.

وكلمة «سنع» عربية أوردتها المعاجم بذات المعنى، فالسنيع هو الحسن الجميل، والمرأة السنيعة هي طويلة القوام والجميلة، والسنائع تعني الطرق والدروب في الجبال الوعرة في لغة هذيل.

ولكن كلمة سنيعي التي أقصدها هنا، هي كلمة مركبة من سني وشيعي، وأحتفظ بكامل حقوقي الأدبية «باختراعها». ودمج الكلمتين بهذه الطريقة يعكس تقريبا متعمدا يتجاوز الفروق بين أهل المذهبين الرئيسين في الإسلام ـ السني والشيعي، كما أنه دعوة إلى التقريب بين أهل المذهبين، وجهد متواضع للتصدي لدعوات الفرقة والتكفير بين متطرفي المذهبين، ورفضا لتكرار الإعلام الغربي والعربي لعبارات الشيعة والسنة في عالمنا بطريقة ساذجة أحيانا وخبيثة أحيانا أخرى، ومن يكرر تصنيف الناس في تحليله السياسي على أسس طائفية، يمارس الطائفية من حيث لا يشعر، فتصنيف الساسة يجب أن يتم على أساس توجههم السياسي وليس على أساس مذهبهم الذي ورثوه أو عرقهم الذي لم يختاروه، صحيح بأن هناك من يمارس السياسة تحت رايات وشعارات طائفية، ولكن الصحيح أيضا أن من ينشد الشمولية في رسالته السياسية يتجنب التطرف العرقي أو الطائفي.

إن العراق اليوم بحاجة إلى تكثيف الدعوة إلى السنع أو السنيعية، فالعراق على أبواب تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية يفترض أن تكون بداية النهاية للعنف والاحتلال، بينما يكرر الإعلام ليل نهار بأن المرشح الفلاني للرئاسة شيعي، بينما نائباه سني وكردي، وهم بذلك يخلطون «شعبان برجب» كما يقال، فهم يصنفون ذاك حسب مذهبه وهذا حسب قوميته، ولا أرى منطقا لهذا التوصيف الاعتباطي، فالكردي قد يكون شيعيا أو سنيا، وقد يكون السني أيضا عربيا أو تركمانيا أو كرديا وبالعكس.

لم يعرف العراق في تاريخه حدة في التفرقة بين الشيعة والسنة مثلما يشيع المتطرفون بين الجانبين هذه الأيام، فمتطرفو الفلوجة داروا في شوارعها بشخص أقاموا عليه الحد جلدا وأركبوه سيارة «وانيت» ليكون عبرة لمن يعتبر. ومتطرفو الصدر بدأوا بمضايقة المسيحيين العراقيين ودفعهم لمغادرة مناطقهم والتضييق عليهم في عيشهم وممارسة عباداتهم. ونلحظ مظاهر جديدة على العراق والعراقيين، فالعراق لم يعرف التسامح والتعايش السياسي إلا فترات متقطعة محدودة، ولكن التعايش بين مذاهبه وأديانه يندر مثيله في التاريخ.

يجهد العراقيون في مجلس الحكم، وبمساعدة من الاخضر الإبراهيمي ـ مندوب الأمين العام للأمم المتحدة ـ وبإشراف ومتابعة من دول التحالف، على تشكيل الحكومة الانتقالية هذه الأيام، التي تتحدث الأخبار عن رئيس لها بنائبين ورئيس وزراء، سوف يرأس حكومة مشكلة من ستة وعشرين وزيرا، ولن يخلو العراق من المخلصين والشرفاء، فلقد شاهدنا ورأينا واستمعنا إلى أناس من أهل العراق وصفوف من المخلصين والمناضلين من رجال ونساء مجلس الحكم، حيث دفع بعضهم حياته ثمنا للاستقرار والتعايش والتفاهم، وما هي إلا أيام قليلة قبل أن تتشكل أول حكومة عراقية مؤقتة كاملة الصلاحيات، لتقود العراق نحو عصر جديد.

مطلوب من العراقيين أن يكون السنع هو معيارهم في الاختيار، وألا يفكروا بالكمال فيمن سيأتي للحكومة المقبلة، وألا يصنفوا هذا الوزير على أنه سني وذاك على أنه شيعي، بل على أساس أن الحكومة المقبلة حكومة لا سنية ولا شيعية بل هي حكومة عراقية سنيعية.