فجر سوداني جديد

TT

وسط ركام الاخبار السيئة، يأتي توقيع اتفاق السلام السوداني ليعطي شيئا من الأمل في خروجنا من عقلية الاحتراب والتعصب والجهل الى آفاق العقل والسلام والتنمية.

سبع وثلاثون سنة هو عمر حرب السودان المنسية التي قتل فيها اكثر من مليونين من البشر على يد ابناء جلدتهم في حرب مجنونة وطويلة وكريهة، تسببت في تشريد مئات الآلاف في مخيمات للاجئين، وتسببت في خروج افضل كوادر السودان من وطنهم لينتشروا في كل القارات في حالة من الحسرة والانكسار على ما وصلت اليه امور بلدهم، وتسببت في وقف التنمية وتراجع الحياة العامة والخدمات واستمرار القلق السياسي.

السودانيون لن يرضوا بغير نجاح الاتفاقية. وكل من سيستمر في ارتكاب الحماقات والتفكير بنفسه على حساب وطنه هو خائن للسودان وعدو له وان تسربل بلباس الفضيلة والوطنية. والسودان لا يمكن ان يكون وطنا للشماليين او الجنوبيين، المسلمين او المسيحيين، فالأوطان لا تقبل القسمة، والاختيار هو دائما بين كانتون او جيتو او زاروب طائفي وبين وطن يتساوى فيه الناس امام القانون ويسود فيه تكافؤ الفرص.

لنعترف انه لولا جهود المجتمع الدولي والضغوطات الغربية لما تحقق هذا الانجاز، ولكن ايضا لا بد من الاعتراف بأن عددا كبيرا من السياسيين السودانيين تفوقوا على انفسهم وسموا فوق جراحاتهم الشخصية والحزبية للوصول الى اتفاق السلام، ولا بد من تقدير الجهود الكبيرة لعدد من جيران السودان الذين رعوا هذا الاتفاق ودفعوه الى النجاح. واذا كان العرب متفرجين كعادتهم على الحالة السودانية كما كانوا متفرجين على الحالة العراقية قبل سقوط صدام، ومتفرجين على قضية الصحراء الغربية، ومتفرجين على ما هو اكثر نزيفا من ذلك وهو الحالة الفلسطينية بسبب غياب روح المبادرة وانتشار اللامبالاة وسيطرة نظرية المؤامرة، فإن لدى العرب فرصة للتكفير عن اخطائهم ولا مبالاتهم بدعم السودان بالأفعال لا بالأقوال، فالبلد حطمته الحرب وهو يحتاج الى الكثير، يحتاج الى الدعم المباشر، ودعم الخدمات، والتفكير في استثمار عربي بعد التأكد من حالة الاستقرار.

نجاح السلام هو بيد السودانيين انفسهم، ولو اجتمع العالم كله لدعم السودان دون ان تصفو نفوس السودانيين فلن يتغير شيئا، وأهم ما يواجهه السودان هو ضرورة الايثار والبعد عن الشخصانية والحزبية، فالبلد اكبر وأهم من كل الاشخاص والاحزاب.