سبع سنوات عجاف إذا ادعى العراق نسبا غير نسبه

TT

إذا كبا جواد العدالة في بلد ما، فإن ضمير الأمة يهتز، فالعدل أساس الملك، ولا أخشى كثيرا قدر خشيتي من كبوات متصلة ومتواصلة حتى لا يبقى للعدالة من أثر، والمجتمعات عموما لا تنهض ولا تتطور إلا بالتشديد على العدالة، العدالة أولا، والعدالة أخيرا. ومبعث هذا الكلام هو ما حصل أخيرا من سن قانون جديد في العراق، لكنني في البداية أحب أن أوضح بعض النقاط المهمة:

1 ـ ليس للعراق دستور دائم، بل له دستور مؤقت حسب ما اصطلح عليه. وهذا يعني أن كل تشريع جديد يرتبط بمزاج الحاكم أو السلطة الحاكمة. ولو ألقينا نظرة سريعة على التشريعات الماضية كافة، لرأينا أنها تتسم ببعدها عن العدالة، كالتشديد مثلا، على قسوة العقوبات ووحشية التنفيذ.

2 ـ يحصر الدستور المؤقت حق التشريع واصدار القوانين بمجلس قيادة الثورة، استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة 40.

3 ـ القوانين المشرعة الجديدة تبطل القوانين الصادرة قبلها كافة ولا يعمل بها، وتنوش هذه القوانين حتى قرارات المحاكم بما فيها هيئة محكمة التمييز العليا.

وعمد النظام العراقي إلى استعمال هذه المادة (40) من الدستور، واصدر من خلالها ما يشاء من قوانين تحلو له وبمراسيم جمهورية، منها:

أولا: تعديل كثير من مواد قانون العقوبات الصادر في الثمانينات وبات أكثر قسوة، كما وسعت قاعدة تطبيقه على أفعال لم تكن واردة في القوانين الوضعية، إذ أدرجت في باب القذف عقوبات تصل إلى إعدام كل من يجرؤ على إهانة رئيس الدولة أو أشخاص ينص عليهم القانون.

ثانيا: عالجت قرارات مجلس قيادة الثورة والمراسيم الجمهورية، التي صدرت بموجب الفقرة الثانية من المادة (40)، قضايا واجهها في سنوات حربه مع إيران، التي استمرت 8 سنوات.

وبعد هذا التوضيح الضروري، وضمن هذا الجو السائد، صدر أخيرا قانون بمرسوم يبيح للسلطات المختصة إنزال عقوبة الإعدام، القتل نحرا، باللواتي يسئن إلى الشرف والسلوك. وبرأيي أن هذا القانون يبتعد عن العدالة من ناحيتين:

1 ـ الشريعة الإسلامية الغرّاء، تلزم أن يكون عقاب القتل نحرا في جرائم الزنى ثابتة الوقائع مزكاة بشهادة عدول، وكي لا يقع خطأ في التجريم، تؤكد الشريعة إثبات واقعة فعل الزنى بكل متطلباتها البيولوجية، كما أن القضاء الإسلامي يدقق كثيرا في هذه التهم كي لا يضر بسمعة المحصنات.

2 ـ لا يجوز في التشريع المستند إلى نصوص الشريعة وما جاء في القرآن الكريم، أن تكون العقوبة بالقانون الوضعي تزيد عما نص عليه. فالشريعة توصي برجم الزاني والزانية، في حين أن ما يجري في العراق هو القتل نحرا بموجب قوائم ترتبها الأجهزة الأمنية المختصة.

واستمرارا للتخبط التشريعي في العراق، صدر قانون جديد يطلب تصحيح الانتسابات الدينية والعشائرية والمدنية. وتصل العقوبة في حالة الكذب بإقرار النسب أو الانتساب إلى سبع سنوات. ونذكر أن المشرّع نفسه (مجلس قيادة الثورة)، كان قد أصدر قبل ذلك قانونا يجبر المواطنين على ذكر الاسم الرباعي لكل شخص، ومعنى هذا وجوب تسجيل وتثبيت حالة النسب الصحيحة، على الرغم من أن كثيرين لم يكترثوا كثيرا بذكر انتساباتهم وما فكروا بها، لكنهم اضطروا بعد صدور هذا القانون إلى الانتساب إلى أقرب العشائر إلى عوائلهم.

ومن الصعب التكهّن بالمقصد، الذي يسعى إليه المشرع العراقي بسن قانون مثل هذا، لكن من المؤكد أن فئة كبيرة ستتأثر بهذا القانون وعليها أن تصحح وضعها القانوني قبل أن تنتهي المدة المحددة.

والسؤال الذي يبقى ماثلا في الذهن هو: كيف سيثبت المواطن العادي أو رجل الدين لرجال «العدالة» في ما لو اتهم بعدم صحة نسبه؟ وهل يعني هذا أن يحمل كل فرد شجرة العائلة في جيبه كي يثبت براءته من الكذب؟ أم عليه أن يقضي حكما مدته سبع سنوات عجاف ما أنزل اللّه بها من سلطان؟