إرهاب باسم الدين يعتمد الفلسفة الماركسية..!

TT

أمام أسئلة كثيرة محقة دارت حول احتمال وقوع عمليات إرهابية أخرى في السعودية وعن قدرة السلطات السعودية على السيطرة على الوضع والانتصار على الإرهابيين داخلها، رأى السفير السعودي لدى بريطانيا الأمير تركي الفيصل ضرورة تذكير الصحافي في التلفزيون البريطاني مساء الاثنين (بي.بي.سي 24) أن بريطانيا احتاجت إلى عشرين سنة للقضاء على إرهاب الجيش الجمهوري الايرلندي، وتمنى أن لا تحتاج بلاده إلى هذه المدة الطويلة، وان ايطاليا احتاجت إلى حوالي عشر سنوات للقضاء على «الألوية الحمراء»، وكذلك ألمانيا للقضاء على منظمة «بادر ماينهوف». وعندما سئل بماذا ينصح بريطانياً وجد عملا في السعودية، رد السفير: عليه أن يأتي إلى السفارة ويأخذ تأشيرة ويسافر للعمل مطمئنا لأنه سيكون محميا.

منذ عملية الخبر والمسؤولون في السعودية يحاولون تهدئة الأجانب العاملين في السعودية إضافة إلى تهدئة أسواق النفط. وأسرعت شركة أرامكو لإصدار بيان تؤكد فيه أن منشآتها محمية وان هناك خمسة آلاف حارس يحمي تلك المنشآت، والاهم أن كبار المسؤولين السعوديين تعهدوا باقتلاع الإرهاب والإرهابيين.

اللافت في عملية الخبر، ما ضج به الإرهابيون من تجنبهم قتل المسلمين وافتخارهم بذبح غير المسلمين، لكن هذا لن يلغي عملية المحيا في الرياض، والهجوم على مركز الشرطة وقتلهم مدنيين أبرياء من المسلمين والعرب، وهم بعمليتهم في الخبر يرغبون في زعزعة الاستقرار الاقتصادي للسعودية، الدولة الإسلامية، وحسبما قال احد المتابعين لعمليات القاعدة، فان الإرهابيين بعد قتلهم المسلمين، قلقوا من أن يحجم آخرون من المسلمين عن تقديم الدعم المالي لهم، وأضاف، إن أسامة بن لادن بعد عمليات سبتمبر في نيويورك وواشنطن تفاخر بأنه كلف الاقتصاد الاميركي ما لا يقل عن 1.4 تريليون دولار، ومع ارتفاع سعر برميل النفط اليوم تعتقد القاعدة بان عملية تستهدف مكاتب شركات نفطية في السعودية، قد ترفع السعر أعلى وتدمر الاقتصاد الاميركي، لكن رغم ارتفاع السعر لم يحصل انقطاع في الكهرباء أو تقنين في محطات البنزين في اميركا، وليس هناك من إشارة إلى أن المصانع الاميركية ستغلق، ويؤكد محدثي أن عام 1974 لن يتكرر، «صحيح أن الولايات المتحدة تعتمد على النفط المستورد، لكن أهمية النفط ليست عاملا حاسما كما في السابق، ذلك أن الاقتصاد الاميركي في العقود الثلاثة الماضية تعرض إلى تحول جذري من الاقتصاد الصناعي الى الاقتصاد التقني. وكي تتعرض الولايات المتحدة الى أزمة شبيهة بأزمة الثمانينات فان سعر برميل النفط الخام يجب أن يصل إلى 124 دولاراً». ويضيف محدثي قائلا: «لا اقصد أن ارتفاع سعر النفط ايجابي بالنسبة إلى الاقتصاد الاميركي، لكنه لن يشل النشاطات الاقتصادية كما في السابق، قد تتأثر المواصلات، لكن بشكل عام لن يكون لارتفاع سعر النفط التأثير المخيف كما في الماضي».

هذا يعيدنا إلى عملية الخبر الأخيرة التي تظهر «مرونة» أساليب وتكتيكات القاعدة أو الإرهابيين، فهي إذا عجزت عن اقتحام الأماكن المحمية، تظل تعتمد على الإرهاب لتحقيق أهدافها. وتتضمن الأساليب الهجوم على أماكن مكتظة بالمدنيين، وقتل هؤلاء أو أخذهم رهائن وإرهاب الأجانب والسعوديين، وليس من المستبعد أن تستهدف العملية المقبلة مدرسة.

وليست السعودية وحدها التي تعاني من تكتيكات القاعدة والإرهابيين، رغم اعتراف الجميع بالإجراءات الأمنية المتشددة التي اتخذتها، وقد اخبرني زميل عاد من السعودية، أن الحواجز الأمنية منتشرة في كل الشوارع وانه لا يفصل بينها أكثر من مائة متر، فقد اعترف رئيس الاركان الاميركي الجنرال ريتشارد مايرز في كلمة له في «مؤسسة بروكنغز»، ان القاعدة وبقايا الطالبان في افغانستان غيروا من تكتيكاتهم، ولم يعد قادة الطالبان، يستعملون السيارات في تنقلاتهم بل البغال، وصاروا يتحركون أفرادا وليس ضمن جماعات.

وقال الجنرال فرانكلين هاغنبيك الذي قاد القوات الاميركية في افغانستان، إن مقاتلي القاعدة والطالبان صاروا يفطنون لصوت الطائرة القاذفة (AC130) ويتفرقون او يهربون، بينما كانت هذه الطائرة ناجحة جدا في الهجوم عليهم سابقا، وبعدما أدركوا قدرة الاميركيين على مراقبة اتصالاتهم، خففوا من استعمال هذه الوسائل. وفي صيف 2002 اكتشف الجيش الاميركي مخزنا مليئا بتلفونات الساتلايت غير المستعملة، مما يشير الى لجوئهم الى وسائل اتصالات أخرى. كما أن القاعدة بدأت تدفع أموالا لمراهقين أفغان ليعملوا جواسيس لها، فينتظر هؤلاء أمام القواعد الاميركية في شرق افغانستان ويسرعون لإبلاغ مسؤولي القاعدة عندما تخرج الدوريات من المجمع.

وفي اتصال مع جوناثان شانزير الخبير في الحركات الإسلامية الراديكالية، يقول «إن القاعدة استهدفت دائما المصالح الاقتصادية كما فعلت عام 1993 عندما هاجمت مركز التجارة العالمي في نيويورك، وكررت هجومها في سبتمبر ونجحت، خصوصا بعدما أظهرنا كأميركيين ان الاقتصاد هو نقطة ضعفنا، وصار هذا سلاحها ضدنا، المهم أن لا تظهر السعودية نقطة ضعفها الآن وان تساعدها في ذلك الشركات الأجنبية بعدم سحب موظفيها، وحسنا فعلت الصين وروسيا باعلانهما ان موظفيهما باقون ولن يتزحزحوا».

ويتساءل شانزير، كيف أن الإرهابيين ضد الغرب وهم يستعملون في جذب المجندين ونشر ايديولوجيتهم كل التقنيات الغربية الحديثة، فمواقعهم على الانترنت تنافس بعضها البعض، أليست الانترنت من رموز الحضارة الغربية؟

على كل، وفي تقييم أعمق لما يحصل، يلاحظ انه منذ أن اطل الإرهاب الديني برأسه في السنوات الأخيرة والمثقفون، والمعنيون يبحثون في هذا الأمر، وبعد عمليات 11 سبتمبر عقدت ندوات وكتبت كتب حول هذا النوع من الإرهاب، لكن لم يتم وضع آلية لمواجهة تلك الايديولوجية المدمرة، لقد ركز الباحثون والمحللون على الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذه المشكلة لكنهم تجاهلوا البعد الايديولوجي. ويقول لي احد الباحثين البريطانيين، ان غير المسلمين يترددون في بحث هذه المسألة في العمق، لهذا من المفروض على المثقفين في العالم بمشاركة المسلمين أن يعطوا الأولوية في نقاشهم حول أمر مهم وهو: هل هذا الإرهاب عمل مقدس ام لا.. ويشير الى ندوة عقدت في نهاية الشهر الماضي حول «الارهاب في جنوب شرق آسيا، وتأثيره المحتمل على جنوب آسيا»، وضمت الندوة وفودا من سنغافورة، ماليزيا، الفيليبين وتايلاند، وقال ان المجتمعين لم يبحثوا الزاوية الايديولوجية للإرهاب، وانه أثناء طرح الأسئلة، سأل عما إذا كان هناك من مستند إلهي لايديولوجية الإرهاب كما يروج مرتكبوه؟ وكيف يمكن التصدي لهذه الايديولوجية.. لكن المجتمعين لم يجدوا من الضرورة نقاش هذا الأمر.

قبل أيام قليلة ذكرت التقارير أن اسامة بن لادن دعا إلى اغتيال الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، والمفوض الاميركي في العراق بول بريمر وممثل الامم المتحدة في العراق الاخضر الابراهيمي، ووعد الفاعل بجائزة قدرها عشرة كيلوغرامات من الذهب، هذه تختصر مسألة أن آيديولوجية الارهاب تهدف الى تحقيق طموحات مادية وليس تطلعات روحية، وانهم يهدفون الى تحقيق اهداف سياسية توصلهم الى الحكم. ويقول الباحث البريطاني، انه على هذا الاساس يخوض الارهاب معركة كسب القلوب والعقول، ولا يمكن نزع فتيل هذا الارهاب المدمر، من دون مشاركة المعتدلين المسلمين ومواجهتهم للذين خطفوا الدين الاسلامي، ويضيف: ان الارهابيين لا يعانون من مشكلة خرق التعاليم الدينية التي تحذر من سفك دم الابرياء من الناس مسلمين وغير مسلمين، فهم من اجل تحقيق غاياتهم اعتمدوا الفلسفة الماركسية المعادية للاسلام، «ان السلطة تأتي من ماسورة المسدس».

ويقول: «إن ايديولوجية الإرهاب الذي تعاني منه السعودية ليست اكثر من وسيلة يتمسك بها الإرهابيون لتحقيق طموحات سياسية ومادية، ويجب إدراك أبعادها ومواجهتها وعدم السماح لها بأن تنمو في عقول الناس الأبرياء».

إنها معركة طويلة وشاقة لكنها غير مستحيلة.