علاقتنا بغير المسلمين.. وهل بعد علاقة الزواج علاقة؟

TT

فتحت عيني على الحياة في مدينتي الرياض، وكانت أسرتي تتكون من أمي وأبي وإخوتي والعاملة المنزلية الهندية المسيحية الكاثوليكية التي كانت توقظنا للمدرسة وتعد لنا الإفطار والسندوتشات وتطبخ لنا البرياني والكاري، وتجلب لنا المانجا الهندية كلما سافرت إلى بلادها وعادت إلينا، وقد كانت تأمرنا بالصلاة بحزم، وأتذكر أنها وشت لأمي عندما كنت في العاشرة بأنني لم أكن أصلي، بعد أن لاحظت عدم تغير وضع سجادة الصلاة في غرفتي لعدة أيام وتلقيت بسببها عقابا محترما.

لم يكن المجتمع السعودي منذ وعيت مجتمعا منغلقا، فقد كنا نتعالج عند الطبيب (الأميركي) ونذهب الى المدرسة مع السائق (الفلبيني) ونصلح أجهزتنا عند العامل (الهندي) ونلقى الرعاية من الممرضة (الايرلندية)، ومن الذي شيد أبنيتنا وبنى طرقنا وعمر أرضنا الا العمال من البلاد المختلفة؟

ولا ننسى آلاف الطلبة السعوديين الذين رحلوا الى الخارج وخاصة الى الولايات المتحدة وتلقوا هناك العلوم الحديثة وعادوا ليضيئوا أوطانهم، وإذا كانت المجتمعات الأخرى تتعايش مع غير المسلمين فنحن في المملكة كنا نعيش معهم، ففي بيوتنا يربون أطفالنا ويعدون طعامنا، ويعملون في بلادنا ونسافر إلى بلدانهم للسياحة وللعلاج وللدراسة، وقد عاشوا عندنا وتنفسوا من أمن هذا البلد الذي ارتفعت فيه المباني دون أن تصمت أصوات المآذن، كما أن لرجل الدين فيه مكانة لا يجدها في أي بلد آخر، وهو من البلدان القليلة التي استطاعت أن تحقق التطور دون أن تسقط في الخواء أو تفقد هويتها، فقد عايش ضيوفنا أمن هذا البلد وازدهاره وبساطة أهله وكرمهم ودماثتهم، وكان ذلك سببا لكثير منهم لاعتناق الإسلام، والذي لم يعتنق الإسلام منهم عاد إلى بلاده وهو يحمل ذكرى طيبة عن الإسلام وأهله. وتتذكرون المجموعة الأميركية التي استقبلت ولي العهد السعودي عند الطائرة بعد الحادي عشر من سبتمبر والذين كانوا من منسوبي شركة (أرامكو) في المملكة وقد جاءوا إلى هناك فقط لتسجيل موقفهم وعرفانهم للسنوات التي قضوها في بلادنا وقد كانوا رسالة قوية تقول للعالم: إننا لسنا بن لادن وعصابة سبتمبر.

في تحقيق قامت به (كريستيان آمانبور) لقناة «سي ان ان» قبل أكثر من عام عن المملكة حيث التقت بموظفين أميركيين في آرامكو تحدثوا عن أمن هذه الأرض ورغبتهم في البقاء فيها بعدأن وجدوا أنها المكان الأفضل لمن يريد أن يربي أطفاله دون خوف... ترى هل لا يزال رأيه كما هو بعد الأحداث الأخيرة؟!

لقد كان تعايشنا مع غير المسلمين عفويا فطريا إنسانيا لم يخضع لمحاضرات أو شعارات حول (حقوق الإنسان) و(تقبل الآخر) بل كان موجودا بشكل طبيعي نمارسه تلقائيا حتى لا نكاد نشعر بوجوده.

من المخجل الآن أن أتحدث عن هذه العلاقة ونحن في الألفية الثالثة، وأن أناقش بديهيات أضطر إلى رفعها إلى مستوى الاستنتاج، لكن ما حيلتي مع وجود بعض من يريد أن يعزلنا ويمارس علينا التطهير العرقي ويصر على تحويل بلادنا إلى (محمية) أو إلى (حجر صحي) لا يبقى فيه إلا من يتوافق مع أهوائه وميوله التي تلبسها الشيطان. فقتل الهنود ونحرهم ـ وفق شهود عيان ـ بحجة أنهم (عبدة بقر) ومرروا سكان المجمع في الخبر على (الفرّازة) ونصبوا أنفسهم إلها يحدد مصير البشر إلى الجنة أو إلى الجحيم متجاهلين حرمة دم الإنسان أيا كانت عقيدته ولونه، سواء أكان على يده وشم الصليب أو القدس الحرة..عربيا كان أو أعجميا.

ترى.. من الأولى بالاخراج من جزيرة العرب؟ من بنى هذه الأرض وعمرها وطورها أم من يعيث فيها فسادا ويقتل الحرث والنسل؟!

لقد نسوا أن الاسلام شرع للرجل الزواج بغير المسلمة (مسيحية كانت أو يهودية)، بكل ما في الزواج من معانٍ سامية فصلها القرآن الكريم من السكن والمودة والرحمة، أي يقاسمها فراشه وطعامه وبيته وماله وتربي له أطفاله وحتى دون أن يجبرها على أن تغير دينها.

علينا أن نعي الآن أننا في حالة حرب بكل ما في الكلمة من معنى، حرب لا مجال فيها للحياد، وكل فرد منا مسؤول، وقد يكون من المفيد الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي مرت بمثل هذه الظروف ونجحت في تجاوزها مثل مصر، ومن المهم أيضا ألا نقلل من شأن هؤلاء المجرمين فهم وان كانوا قلة إلا أن قوتهم تكمن في أن ليس لديهم ما يخسرونه بعد أن صدقوا أن طريقهم إلى الجنة يمر من فوق جماجمنا وجماجم أطفالنا وضيوفنا.

إنها حرب لا تستهدف ضيوفنا من غير المسلمين، وإنما تستهدف قيمنا واقتصادنا وحضارتنا وتطورنا والأهم من ذلك كله ديننا وعقيدتنا.

* كاتبة سعودية