عودة الفلوجة

TT

استغرب الكثيرون مما كتبته بعنوان «من فيتنام إلى الفلوجة». اعتبروه نقضا لموقفي السابق في معارضة الارهاب المعنف. لقد اساءوا فهم المقالة فالفقرة الاولى منها اشارت الى الدور السلبي والضار من حيث انها عرقلت عودة الامن وشجعت الجريمة والارهاب. هذا ما يعني العراقيين. ولكن العراق ليس كل شيء في الدنيا. اعود لأكرر ما قلته وتجاهله النقاد. تخضع امريكا الآن للمحافظين الجدد الذين يخضعون بالنسبة للشرق الأوسط للوبي الصهيوني الذي اصبح يخضع بدوره لليكود من امثال شارون ونتنياهو. ويخضعون بالنسبة للعالم ككل لمصالح الشركات الكبرى الامريكية. وبعد انهيار السوفيت، اعتبروا انفسهم القوة الوحيدة في العالم تفعل ما تشاء. لسوء الحظ ان ما يشاءونه يتجاهل حقوق الآخرين وعلى رأسهم الفلسطينيون.

لا بد من دحر هذه الفئة، وهو شيء ربما يؤمن به اكثر الشعب الامريكي نفسه. ودحر هذه الفئة يتطلب ظهور قوة جديدة تحل محل السوفيت وتعيد التوازن الدولي. ما زالت اوربا مترددة في تحدي القوة الامريكية والقيام بهذا الدور. الصين مشغولة ببناء نفسها. القوة الوحيدة التي بقيت هي قوة الشعوب. والظاهر ان هذه القوة تمثلت في مقاومة الفلوجة التي اصبحت رمزا لها. المحافظون الجدد يجرون الآن وراءهم ذيول الفشل.

واخذت واشنطن تراجع حساباتها. كلا! ليس بامكانها ان تفعل ما تشاء بالعالم. احتلال الدول شيء وحكمها شيء آخر.

لنقلب الصفحة الآن ونبدأ بصفحة جديدة. تدرك واشنطن الآن انها لا تستطيع ان تملي ارادتها على العراقيين. لهذا جاءت بالأمم المتحدة واخذت تصغي لما تقوله لندن واوربا. الاخضر الابراهيمي ينازع بول بريمر الكلمة.

وستؤول الأمور بيد حكومة وطنية يترأسها رجل متنور وقدير وخبير يعترض بعض العراقيين على اختياره واختيار حكومته. يقولون ان الامريكان اختاروهم. وهذا غير صحيح فالاختيار جرى بعد مشاورة اهل الحل والعقد. وان صحت التهمة فوزرها يقع على العراقيين انفسهم في فشلهم في الاتفاق على زعامة طوال العشر سنوات الماضية. لم يتفقوا فتركوا الامر للغريب ليحسمه لهم. جزاه الله خيرا.

المهمة الاساسية للحكومة الجديدة هي توطيد الأمن. ولنواجه الامر بصراحة. لقد فلتت الامور الآن ولن تعاد الى نصابها باحترام قواعد الديمقراطيات الغربية التي نحترمها جميعا. لا بد من يد حديدية تضرب على ايدي العابثين.

وفي هذا الضرب سيهلك الكثير من الابرياء وتداس القيم الانسانية. انها معركة بكل ما في الكلمة من معنى. ومن يخطط للمعركة يخطط لعدد الضحايا الذين سيسقطون فيها. ولكن لا بد من خوضها للخروج منها بوطن ينعم فيه المواطن بالأمن ويبني مستقبله واثقا من طريقه وسلامته.

بالطبع سيتوقف نطاق المعركة وضراوتها على سلوك المليشيات والفئات المقاومة ومحترفي الجريمة. ما يرجوه العراق منهم الآن هو القاء اسلحتهم واعطاء الحكومة الجديدة الفرصة لاثبات قدرة العراق على حكم نفسه والحفاظ على وحدته. نعم انها ليست حكومة منتخبة، ولكن كيف تنتخب حكومة في هذه الظروف؟ لقد ارغمتم امريكا على تسليم المسؤولية بيد العراقيين. أثبتوا الآن قدرة العراقيين على الاضطلاع بالمسؤولية بالتفافكم حولهم. وبدعمكم للحكومة الجديدة والاستقرار ستزول المبررات لبقاء الاجنبي في البلاد وتسلطه عليها.