قاتل الله الحب

TT

قال لي أحدهم إن لديه أختا في منتهى الذكاء والطيبة، وكانت متفوقة في دراستها، وليست لديها مشكلة سوى انها تعتقد أنها غير محبوبة، ولهذا فهي كثيرة الشكوى وتندب حظوظها، وهي بالمناسبة متوسطة الجمال، وكذلك متوسطة البشاعة، ولم تتزوج بعد.. ويمضي هذا (الأحد) ليكمل لي قصة أخته التي لم أطلبها منه، والتي أتمنى أن يختصرها ويتمها على وجه السرعة، ولكي أشعره بذلك، كنت ما بين كل كلمة وكلمة يقولها أنظر إلى ساعتي وكأن لدي موعدا غراميا أخاف أن «يفوتني».

واستمر هذا (الأحد) في كلامه الممل وقال: استنجدت بقريبة لي أعرف أنها حلالة مشاكل، لكي تحل مشكلة أختي، فقالت لي: اترك المسألة عليّ.

وبعثت لتلك الفتاة «المعقدة» بباقة بها اثنتا عشرة وردة، ومعها بطاقة مرسوم عليها قلب، ومكتوب عليها إهداء: من شخص يحبك.

وعندما تسلمت المسكينة تلك البطاقة، أصابها شيء من «الخفّة»، وتحول لون وجهها إلى ألوان الطيف جميعها، وأخذت تضرب أخماساً بأسداس، وعافت نفسها الطعام، وجفا عينيها النوم.. وانتقلت أفكارها إلى اصدقائها ومعارفها وإلى كل أقاربها، وعندما شارفت على اليأس في أن تعرف هوية المرسل، ظهرت لها قريبتها التي بعثت لها الباقة، وصارحتها بأنها هي التي أرسلتها لها.. وعندما سألتها وعيناها مغرورقتان بالدموع: لماذا؟ قالت لها: هل تذكرين آخر مرّة تقابلنا معاً، وكنت مكتئبة وحانقة على الحياة والناس، وكنت أنا من جهتي أحاول أن أخفف عنك، وأؤكد لك أن الحياة والناس ليسوا بهذا السوء الذي تتصورينه؟ لهذا فقط أردت أن أمنحك فرصة تفكرين من خلالها في عدد الذين يحبونك.. وفجأة وبدون مقدمات هبت من مقعدها واحتضنتها قائلة: صدقت فعلاً، لقد اكتشفت أن هناك الكثير لا يكرهونني، وأكثر منهم من يحبونني.

وبعدها بدأت تنحل عقدتها، وبدأت تحسن المكياج، وتعدل الطرحة، وتنزل القصة، وتلبس الكعب العالي، «وتتقصوع» في مشيتها عندما تسير في غرفة نومها «المكركبة».. ولم تمض على تلك الواقعة عدّة شهور، إلاّ وقد خطبها أحد شباب العائلة ـ أي انه وقع «ولا أحد سمّى عليه»، وخلفت صبيانا بدون بنات وكل واحد منهم أثقل دما من الآخر.

وبما أننا في صدد الكلام عن الحب، ففي جمهورية «مارينو» في وسط إيطاليا ـ وهي اصغر جمهورية في العالم ـ مرسوم على نقودها الرسمية شعار «الحب» ولا شيء غيره، فأغلى ورقة نقدية تمثل حب الحرية، وقد رمز إليه بطائر نورس يحلّق فوق سياج من الأسلاك الشائكة.. وتليها قطعة حب الإنسانية، وتليها حب الوطن، ثم حب المدينة أو القرية، ثم حب العائلة، ثم حب الزوجين لبعضهما البعض، ثم حب العمل، ثم حب «النفس»، وهي أصغر العملات.

وعلى فكرة فعملة تلك الجمهورية «الفصعونة»، لا ترتفع ولا تنزل، فهي ثابتة على الدوام، كثبات عقلي تماما بتمام، عندما تكون الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.