حروب النفط الجديدة

TT

عادت أسعار النفط ثانية الى عناوين الصحف الرئيسية ومن المحتمل أن تبقى كذلك طالما أن الطاقة العالمية تجتاز تخوما جديدة من الطلب المتزايد والمواقف السياسية المتصادمة وقضايا السيادة والارهاب.

وما أن تمتزج السياسة والنفط بهذه الطريقة فإن المراهنة على استقرار الأسعار تبتعد عن البيانات. وقد يكون سعر 40 دولارا للبرميل سعرا قياسيا عاليا، ولكنه ليس نهاية الشوط. فسعر خمسين بل وستين دولارا للبرميل يمكن أن يتحقق. والسبب الرئيسي، اذا ما تحدثنا في اطار استراتيجي، هو أننا نعيش في عصر طاقة مختلف. واذا كان القرن العشرون هو قرن النفط الاميركي، فان القرن الحادي والعشرين يتشكل باعتباره قرن «حروب النفط الجديدة».

لقد فقدت اميركا وشركات النفط الاميركية منذ زمن بعيد قبضتها على الموارد النفطية في منطقة الخليج وعلى أسواق النفط العالمية. فقد حلت شركات أوروبية وروسية وصينية ونرويجية في الوقت الحالي محل معظم الشركات الاميركية في صفوف نادي «كبار النفط». وتظهر عقود الغاز الطبيعي الجديدة الممنوحة في المملكة العربية السعودية هذا الأمر على نحو واضح ذلك أنها منحت لشركات أوروبية وآسيوية تشعر المملكة العربية السعودية انها أكثر جرأة وتمتلك التكنولوجيا ذاتها.

وفضلا عن ذلك، وبما أن النفط والسياسة وجهان لعملة واحدة، فان المرء لا يمكن أن يتجاهل أن السياسات الاميركية تواجه استياء شديدا في العالم العربي والاسلامي بأسره في الوقت الحالي، وهو عامل لا يمكن تجاهله في عالم المال والأعمال.

وحتى قبل الهجمات الارهابية الاخيرة في مراكز النفط في ينبع والخبر، فإن الاعمال التخريبية للمقاومة المعادية للولايات المتحدة عرقلت صادرات النفط العراقية بطريقة كبيرة لأكثر من عام حتى الان، وحرمت الاسواق العالمية من اكثر من مليون برميل يوميا. وعندما يتعلق الامر بالنفط فإن المخاوف تعني المال. ففي الواقع يوجد ما يسمى بـ«عامل المخاوف» وتصل قيمته الى خمسة دولارات للبرميل حيث يضاف الى الاسعار الحالية، فيما فشلت الحكومات في القضاء على هذه المشكلة. فعندما تضطر ربة البيت الاميركية الى دفع 80 دولارا لتعبئة خزان النفط في سيارتها الضخمة، فإن النفط يصبح قضية انتخابية. وهو يؤثر على الوظائف والاقتصاد واجور العمال الاميركيين، علما بأنه اذا جاء الاختيار بين سيارات صغيرة وأجور اقل، فإن الاميركيين يميلون لتفضيل السيارات الكبيرة والمرتبات الكبيرة والرئيس الذي يمكنه تحقيق ذلك.

لذلك فالقضية الاكبر هي انه في مثل هذا الوقت لا يوجد ما يمكن القيام به تجاه ذلك. فالموقف الجديد هو جزء من تغييرات شاملة في مجال الطاقة العالمية مستمر منذ سنوات. والطلب العالمي على النفط يزداد من قبل القوى الصناعية الجديدة. ولم تعثر شركات النفط الكبيرة على اية مصادر هامة للنفط والغاز الطبيعي في العقد الماضي، كما ان المناخ السياسي في منطقة الخليج، حيث يوجد ثلثا نفط وغاز العالم، غير مستقر، في احسن الاحوال ومعاد للولايات المتحدة.

وبغض النظر عن السياسة فإن دخول مستهلكين جديدين كبيرين في السوق العالمي ـ الصين والهند ـ هو تطور جديد. ففي العام الماضي تبين ان 40 في المائة من الزيادة الشاملة من استهلاك النفط العالمي جاءت من الصين. فاكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان هي قوة صناعية هائلة ذات اقتصاد ضخم ينمو بمعدلات تزيد عن 9 في المائة سنويا. وهو ما يمكن ان يضيف واحدا في المائة او اكثر في استهلاك النفط العالمي الذي يصل الى حوالي 83 مليون برميل يوميا. وتأتي الهند في المرتبة الثانية حيث يزداد ثراء سكانها الذين يصل عددهم الى مليار نسمة ويحقق مستويات عالية في المجال الصناعي ومستويات المعيشة. وهو يعني سيارات جديدة والمزيد من الكهرباء والمزيد من استهلاك النفط.

وفي اقل من عشر سنوات ستتعدى الصين الولايات المتحدة باعتبارها اكبر مستهلك للنفط في العالم. وهو يحمل عواقب جيوسياسية. وهو الامر الذي يثير تساؤلات لجهة أسباب احترام أي شخص للولايات المتحدة؟ وبالفعل فإن معظم الدول المنتجة للنفط بدأت تنظر شرقا نحو اسيا. فالصين، بغض النظر عن كل شيء فهي دولة عظمي لديها اسلحة وثقل سياسي. وينطبق الامر ذاته على الاتحاد الاوروبي «الجديد»، وهو قادم جديد في مجال الطاقة، بعد انضمام اقتصادات نامية مثل بولندا والجمهوريات السلافية وغيرها والذين سيحتاجون الى مزيد من النفط. وبكلمة اخرى لم تعد اميركا تسيطر على نفط العالم ولا هي المستهلك المفضل. وتظهر مغامرتها الفاشلة في العراق انه لا يمكنها الاستيلاء على النفط بالقوة.

مثل هذا التغيير الهائل في خريطة الطاقة العالمية بدأ بالفعل في السبعينات عندما بدأت «اوبك» في ممارسة مهارتها في تحديد اسعار النفط خلال الحظر النفطي في عام 1973 الذي طرح فكرة سلاح «النفط» الذي هز الاقتصادات الغربية والى الثورة الايرانية في عام 1979 التي اخرجت البلاد من النفوذ الاميركي. ثم هناك حرب الخليج الجارية الان التي شنت، كما وصفها السفير السعودي في لندن الامير تركي الفيصل مؤخرا من اجل أسباب «استعمارية» قديمة لاعادة السيطرة الاميركية على نفط الخليج. الا أن النتيجة كانت العكس، فقد انفلتت السيطرة الاميركية الى الابد.

وننتقل الان الى اللاعبين الجدد في عالم النفط. روسيا هي قادم جديد حيث بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تخفيف وضع «الاقتصاد الحر» بالنسبة لقطاع النفط الروسي وبدأ في وضع المزيد من السيطرة على النفط الروسي. والمثال الدرامي على ذلك هو القاء القبض على رجل الاعمال ميخائيل خودوركوفسكي رئيس شركة النفط العملاقة «يوكوس». وكانت جريمة خودوركوفسكي الحقيقية هي محاولة بيع نصيبه في الشركة الذي يصل الى 40 في المائة في اكبر شركة نفط روسية الى «اكسون موبايل» وهي أم كل شركات النفط الاميركية. وقد حذره بوتين بعدم القيام بذلك. وهو الان في السجن يواجه تهم تهرب من الضرائب والرشوة والسرقة ستكلفه اسهمه التي ربما تعود الى سيطرة الحكومة الروسية. ومن المهم ملاحظة أن مدى التأييد الذي حصل عليه الرئيس الروسي في الداخل بسبب حركته الراديكالية هذه ليصبح ما فعله بوتين هو ان النفط سلعة استراتيجية بالنسبة لروسيا، وستستعيد مكانتها كلاعب في صناعة القرار النفطي في العالم.

ومن ثم ظهرت فكرة حروب النفط الجديدة.

ببساطة لايوجد ما يكفي.

ولا يوجد، في العقدين القادمين على الاقل، بديل له.

ان الطاقة الشمسية، وخلايا الطاقة والمحركات المهجنة - لاتزال في المهد. ولابد من وصول سعر النفط الى 50 دولار للبرميل الواحد لدفع المستثمرين للبحث عن بديل.

ومن بين الوسائل لادارة الامور هي حوار افضل بين المستهلكين والمنتجين، الا ان ذلك فشل بسبب السياسة الانفرادية والعدوانية والعسكرية التي تبنتها ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش وجماعات المحافظين الجدد الذين يحاولون السيطرة على النفط بالنفط بالقوة في العراق، بل ويتحدثون عن احتلال حقول النفط السعودية. ومن الواضح ان ذلك لن يؤدي الى نية حسنة من جانب السعودية او منظمة الدول المصدرة للنفط، التي تجتمع في بيروت في الوقت الراهن. وحتى اوبك لايمكنها القيام بشئ الان ولاسيما وان دولها، حتى هؤلاء الذين لايعجبون بالولايات المتحدة، يضخون كل النفط الذين يمكنهم ضخه. وما اذا كانت السعودية ستضيف مليون برميل يوميا، سيعتبر تعويضا عن النفط العراقي.

وفي النهاية، فإن النفط ليس سلعة اخرى مثل القهوة او الشوكولاتة او عصير البرتقال الذي يتعامل مع العرض والطلب. بل هو سلعة استراتيجية تحكمها السياسة والاحتياجات الاقتصادية للدول المنتجة له، وهي مرتفعة، والثمن المدفوع فيه، الذي يمكن ان يؤدي الى ركود الاقتصاد العالمي اذا ما كان مرتفعا للغاية. هذه معادلة صعبة للغاية. استعدوا لمواجهة الكثير من المفاجأت المقبلة.

* مراسل سابق لشؤون الشرق الاوسط لصحيفة نيويورك تايمز ومحرر شؤون الطاقة في صحيفة

وول ستريت جورنال.