آراء في حاجة إلى آذان

TT

ظل نائب الرئيس الاميركي السابق آل غور موضوعا للتندر والهزل. ولكن اذا كانت هناك حقيقة في الانتقادات العنيفة التي وجهها آل غور الاسبوع الماضي لإدارة جورج بوش، فإن الوقت قد حان لترك المزاح والهزل جانبا والاستماع بجدية لما قاله الرجل.

اذا كان آل غور على حق، فالشعب الاميركي يواجه أزمة قيادة تتسم بخطورة تستوجب التعامل معها بالجدية اللازمة. اما اذا كان خاطئا، فإن كل من جعلوه موضوعا للتندر يمكن ان يعتبروا انفسهم على حق.

قال آل غور ان الحرب في العراق تعد بمثابة أسوأ إخفاق استراتيجي في تاريخ أميركا، كما وصفها ايضا بأنها كارثة لم يسبق لها مثيل، مرددا انتقادات مماثلة لأميركا في مختلف دول العالم، بان الحرب في العراق لم تلحق فحسب أضرارا بالمصالح الاستراتيجية لأميركا وتعزلها عن حلفائها، بل جعلتها اكثر عرضة لخطر الارهاب. وأضاف ان العراق لم يصبح كما قال بوش: الجبهة المركزية في الحرب على الارهاب وإنما اصبح للاسف مركزا لتجنيد واستقطاب الارهابيين.

يمكن وصف حديث آل غور بأنه كان غير عادي ومباشرا، كما اتسم بطريقة إلقاء متميزة ومشحون بانفعال من النادر وجوده حاليا في السياسة. فقد وصف الرئيس بوش بعدم الكفاءة والافتقار الى الثقة، بل ذهب الى حد القول ان سياسات بوش اوردت أميركا موارد الخطر.

يقول آل غور ان بوش «زرع بذور الحرب وحصد العاصفة». وتكمن المشكلة الجوهرية في نظر آل غور (وكثيرين غيره) في انتصار الايدولوجيا على الواقع وسط جمهور بوش الى جانب غروره. هذا الغرور والاستعلاء اسفر في نهاية المطاف عن صعود منهج بوش الخاص بما اطلق عليه الحرب الاستباقية والازدراء بالاتفاقيات الدولية مثل مواثيق جنيف، فضلا عن تجاهل المخاوف التي عبر عنها بعض كبار العسكريين حول الطرق التي يجب اتباعها في خوض الحرب في العراق، بالإضافة الى ذر الرماد في العيون لدى المواطن الاميركي العادي الذي روعته هجمات 11 سبتمبر الى درجة بات يشعر معها بالقلق ازاء احتمال وقوع مزيد من الهجمات الارهابية.

واعتقد ان الذين يختلفون مع آل غور ينبغي ان يجادلوه حول الحقائق التي اوردها. اما الذين يتفقون معه، فيجب عليهم النظر الى السبل اللازمة للدفاع عن شرف وربما هوية أميركا كما عرفناها.

اما اقل الأجزاء جدية في خطاب آل غور، فقد تلخص في الفقرات التي اثارت غالبية الاهتمام، أي مناشدته لمسؤولي ادارة بوش بتقديم استقالاتهم قائلا: «الامر الذي جعل الولايات المتحدة تحتل موقعا متميزا وخاصا في تاريخ الامم هو تمسكنا بحكم القانون ونظام المراجعة والتدقيق والشفافية الذي أقمناه بعناية واهتمام. ارتيابنا الطبيعي ازاء تركيز السلطة وإخلاصنا للانفتاح والديمقراطية هما ما جعلنا نتجه كشعب الى اختيار الخير على الشر في تطلعاتنا وطموحاتنا الجماعية اكثر من أي شعب آخر، ولكن ما ادركه جيدا هو ان الشعب الاميركي يواجه الآن ازمة. فإدارة بوش في حاجة للخروج من الهاوية التي استدرجتنا اليها الايدولوجيا.

ربما لا يفهم الرئيس بوش مطلقا، فيما يبدو، العوامل التي جعلت من الولايات المتحدة دولة عظيمة. وفي هذه الحالة سيكون بوش في عداد الذين يمكن ان يحققوا اكبر فائدة من قراءة خطاب آل غور. فإذا اطلع على تفاصيل هذا الخطاب وألقى في نفس الوقت نظرة على المبادئ التي تحمي حقوق المواطن كما منصوص عليها في الدستور الاميركي (سيستغرق الامر منه بضع دقائق فقط)، سينتهي من دون شك الى فهم أفضل لما تمثله هذه الدولة.

* خدمة «نيويورك تايمز»