أنا تدخلت.. لا هو

TT

مساء الأحد الماضي كنت ضيفاً في «المنار» على الزميلة بتول ايوب طوال ساعة ونصف. وكان الموضوع واحداً: «العراق وتسلم السلطة». كما كانت الاسئلة تعكس الى حد بعيد، سياسة «حزب الله» ومواقفه. وقد قلت في المُجمل، ان ما يجري هو انتقال الانتقال. وان السيادة لا يمكن ان تدخل في ظل الاحتلال. وان كل ما نراه شكلي، الى ان تتفق الأمم المتحدة على صيغة لاستقلال العراق ووحدته الوطنية، التي هي أساس كل شيء، شرط ان تكون وحدة منصفة عادلة تعطي جميع اسر النسيج العراقي الشعور بالاطمئنان والحرية والمساواة.

ادرجت هذه المقدمة لكي اقول، بعد انتخاب غازي الياور، بماذا اجبت ايضاً على تلفزيون «حزب الله» الذي يدعوني غالباً الى برامجه السياسية. قلت انه يجب الا نجرد بعض اعضاء مجلس الحكم من كفاءاتهم الوطنية والسياسية ولا من موقعهم التمثيلي. وقالت الزميلة بتول ايوب: لكنك قلت ان كل ذلك في ظل الاحتلال الاميركي! وقلت ان لا احد منا في هذا العالم يملك العصا السحرية التي ستجلو الاميركيين صباح غد. ان اميركا هي جزء رئيسي من واقع العراق السياسي اليوم. وهو واقع مؤقت بالتأكيد. والحكمة الوحيدة هي في تقصير مدة الاحتلال وتضييق مداه. وتمكين القوى العراقية الحقيقية من الظهور وايقاف النزف الأمني والحياتي والاقتصادي، ووقف اصطياد العراقيين بالقنابل العمياء واعتبار القتل السهل للناس نضالاً ضد المحتل.

لقد تم انتخاب المؤسسة العراقية الحاكمة في ظل الاميركيين. لكن ايضاً بالتشاور مع المراجع الكبرى في البلاد. وحتى في اكثر الدول ديموقراطية لا يمكن للحكومة ان تمثل جميع الناس وكل التيارات. وغازي الياور ليس اول رئيس يتسلم في ظل الاحتلال ويكون مقدمة لحكم وطني. وبرغم الفارق النضالي هذا، كان حال ياسر عرفات ونلسون مانديللا. فالمهم الآن هو العراق، واخراج العراق من حال التفتت والضياع والسقوط في هاوية الفراغ. لا بد من البدء في نقطة ما، من اجل اعادة الدولة الموحدة. ولا بدَّ من ان تكون هناك حكومة مركزية تعيد لملمة الدولة التي فككها الاميركيون. ولا بد لهذه الحكومة ان تنجح لكي تستطيع القول للاميركيين: «شكراً. صدام حسين لم يعد في الحكم. والاسلحة النووية لم تكن هنا. والآن دعوا العراق للعراقيين».

المسألة طبعاً ليست بهذه السهولة. ففي الأفق العراقي وجوه كثيرة لن تقبل البقاء في الظل، وهي وجوه كانت تفرق بينها اميركا وسوف تجمع بينها الآن، اي احمد الجلبي ومقتدى الصدر وعدد غير قليل من التيارات الفاعلة ولكن غير الرئيسية.

وقبل ان اختم، احب ان احيي، او بالاحرى، ان اثمن على طريقة النضاليين، تصريح الأخ جورج بوش عن ان اميركا لم تتدخل اطلاقاً في اختيار اعضاء الحكومة العراقية. ألم اقل لكم لقد استغرب الاميركيون؟ لم أكن اريد اطلاقاً اذاعة هذا السر لولا تصريح العزيز جورج: الذي تدخل في انتخابات العراق هو الداعي لكم بطول العمر.