دردشات جنادرية ـ عزف رباعي

TT

«رأيك في مهرجان الجنادرية؟»، هذا هو السؤال الروتيني الذي واجهني في كل مقابلة صحافية خلال زيارتي لهذا المهرجان في الرياض، وكان جوابي الروتيني هو انها تعطي فرصة جيدة للقاءات والحوارات فيما بين الضيوف وبين الضيوف واخوانهم من المفكرين والمثقفين السعوديين، ولا بد أن تساءل «المدشدشون» عما يدردش به هؤلاء الضيوف «المبنطلون» الأفندية. التف أربعة من هؤلاء «المبنطلين»، أنا والطيب صالح ونصيف نصار ومنح الصلح حول طاولة استغرقوا فيها بالدردشة. كلا، لم تكن الدردشة المتوقعة عن النساء، فقد تجاوزوا سن الحب والغرام.

الطيب: التقيت في باريس أول مرة بعبد الرحمن بدوي، وتبادلنا الكره من أول نظرة. راح بدوي يستفيض بأفكاره الرجعية. فانطلقت ارد عليها وادافع عن هيغل وماركس وكل اليساريين، ليس لإعجابي بهم، إنما لأغيظه. لم يطق صبراً فقال: «أنا أعرفك. انت من كبار الشيوعيين». بعد أيام، صادفته ينتظر سيارة تاكسي، وكنت في سيارتي فعطفت عليه، توقفت ودعوته ليركب معي، رفض ذلك وقال: «لا أركب مع واحد شيوعي».

خالد: هذا مثل ذلك الرجل الذي دعوته ليركب معي إلى الفاتحة المقامة على روح بلند الحيدري. رفض دعوتي قائلا: «هذا بلند شاعر شيوعي، وأنا لا أقرأ الفاتحة على رجل لا ىؤمن باللّه».

نصيف: ولكن عبد الرحمن بدوي ترك عدة كتب جيدة، منها كتاب عن سيرة شوبنهاور. له عدة كتب ضمن سلسلة «أقرأ».

الطيب: هذه حقاً سلسلة ساهمت كثيراً في الثقافة العربية، هل قرأت شيئا منها يا خالد؟

خالد: لا، أنا أعاني من مشكلة نفسية، لا استطيع أن أصدق أي شيء يكتبه المؤلفون العرب، وبالتالي لم أقرأ شيئاً من «اقرأ»، ولا من غير «اقرأ».

الطيب: يا خالد أنت متحامل على الفكر العربي، لا تفوت فرصة دون أن تنخز الكتّاب العرب.

نصيف: أنا أفهم موقف الأستاذ خالد، لكن استثنوا دار الطليعة، فهي تصدر كتباً جديرة بالاحترام.

منح: في زمن التلمذة، نصحني استاذي البروفيسور غاستود فييت، وهو مستشرق فرنسي كبير، فحذرني وقال لا تصدق أي أرقام توردها المصادر العربية وتتعلق بالتاريخ.

الطيب: يا جماعة، أنتم والله تتحاملون علينا بدون مبرر، يعني الافرنج أرقامهم صحيحة؟!، يعني أرقامهم التي ذكروها عن معاركهم وعن حروبهم الصليبية صحيحة؟، على كل، فأنا معجب بالمؤرخ الانكليزي الشهير جي بي تيلر، قال إن كل التاريخ ما هو إلاّ أدب روائي.

خالد: بصورة خاصة اتحاشى قراءة أي سيرة أو يوميات شخصيات عربية، معظمها تلفيق وتبرير لأخطائهم وتعظيم لشخصياتهم. طبعاً فيها أشياء صحيحة وحقيقية، لكن هذه العملية، عملية فرز الصدق من الكذب، عملية متعبة، وأنا ليس لدي الوقت أو المزاج لذلك.

عند هذه النقطة أطلّ علينا أحد «المدشدشين» بدشداشته البيضاء الناصعة، وقال: يا اللّه تفضّلوا يا اخوان، الحافلة تنتظركم لمحاضرة «الحوار العربي ـ العربي».