الجلبي والسر العظيم

TT

يسمونها سر الأسرار، تلك شفرة الاتصال التي تعتبر لغة العملاء لنقل المعلومات، والتعرف عليها دائما حُلم الطرف الآخر، وعندما يستطيع فك رموزها تصبح العملية «السر العظيم». وهنا يقال ان الحلفاء في الحرب العالمية الثانية قلبوا نتيجة المعارك لصالحهم بعد ان فكوا سر الأسرار وملكوا السر العظيم فصارت الآلة العسكرية النازية مكشوفة.

هنا تتجمع وتتفرق الإشكالات حول احمد الجلبي، السياسي الذي يسمونه المرجع الأعلى السياسي لواشنطن في العراق، مثل آية الله السيستاني في الشأن الروحي. لا ندري إن كان لخروج رئيس الاستخبارات الاميركية جورج تينت علاقة بالسر المكشوف، لكن الأكيد ان الاثنين اختلفا علانية حيث اتهم تينت بأن الجلبي هو من أفسد السر العظيم وباح به للأعداء الايرانيين. الاميركيون يعترفون بأنهم اصطادوا الشفرة السرية الايرانية التي يتخاطب بها عملاء ايران المنتشرون في البلاد بعد سقوط نظام صدام. وهنا يدعي مسربو الرواية ان الجلبي، صديق وزير الدفاع الاميركي هو «الخائن»! اما رفاقه فيعتبرونها وسيلة لتشويه سمعته بعد ان أقصي من منصبه وقطع راتبه، اكثر من ثلث مليون دولار شهريا.

وبالتأكيد إن كان هناك من سر عظيم، فهو الجلبي نفسه. من مصرفي هارب من الأردن بعد الحكم عليه بالسجن الى مُلهم للسياسة الاميركية العليا، ومن صاحب فكرة غزو العراق الى إسقاط حقيقي لنظام صدام. في واشنطن تنقل بين مضاجعها، من الخارجية الى الاستخبارات فالكونغرس وأخيرا في العسل، وزارة الدفاع، ففي كل مرة يُقذف به من نافذة وزارة يعود من الباب.

الآن، يقال ان الجلبي وراء كل شيء الى درجة يصعب ان نصدق ان شخصا واحدا أجنبيا قادر على فعل كل ما نسب اليه. فهو سر تحريك الغزو حتى بعد 11 سبتمبر، وهو وراء دعاوى الحرب، وانه الذي زود الحكومة بمعلومات مضللة عن قدرات صدام التدميرية، التي جعلت حكومة بوش أضحوكة بعد ان عجزت عن تقديم دليل عليها، ولو مسمار واحد من الترسانة المزعومة. ثم يُلام على ما جرى داخل العراق من حل الجيش وطرد مليون بعثي وتوريط الاميركيين في معارك كلفتهم مئات القتلى وآلاف الملايين من الدولارات في معارك كانوا في غنى عنها في الأساس. هذه عريضة الاتهام للجلبي، ولو كانت صحيحة فلابد انه رجل عظيم حتى يقود هذه الدولة العظمى من رقبتها كل هذه المسافة، فأين هي مراكز الأبحاث وخبراء السياسة والحرب؟

الآن هو يلام على تسريب أهم سر عسكري الى ايران، هل يعقل ان يكون الجلبي قائد الغزو وهازمه؟

الآن الجلبي في حضرة رجال الدين في العراق يحاول، كما يقول، إصلاح البين، بين الأميركيين والجيوب المتمردة الدينية الشيعية، في حين يقول البعض انه يريد الانتقال من المحافظين الاميركيين الجدد الى المحافظين العراقيين القدامى بعد ان فقد نفوذه في واشنطن. ولو نجح في اقناع المراجع بان يكون مستشارها والمؤثر في قرارها السياسي سيصبح شخصا مهما رغم خصومه.