عقلية الثأر.. وعقلية النسيان!!

TT

حدث فريد سيشهده العالم غدا في احتفالات ذكرى انزال الحلفاء في النورماندي، فللمرة الاولى منذ ستين سنة ستعلن نهاية الحرب العالمية الثانية عبر مشاركة غيرهارد شرويدر المستشار الالماني في الاحتفالات.

القضية تتعلق بصراع اجيال، وبفكرة النسيان او الغفران، او التفاهم على العيش المشترك من دون الحاجة الى نكء جراح الماضي. فالمقاتلون القدماء اعلنوا معارضتهم للاحتفالات لان ذلك «يفقد تلك المعركة العظيمة معناها، ويعتبر دماء قتلاهم بلا قيمة». لكن لا احد من الجيل الاوروبي الجديد يصغي الى مثل هذه الاقاويل، فالنسيان سيد الموقف، الذين يديرون اوروبا اليوم لا تربطهم اية رابطة ذكريات او عواطف بانزال النورماندي، بل ينظرون اليه كأحد الاحداث التاريخية القديمة. الجيل الجديد استبدل الاصطلاحات القديمة من اجل ان يكسب الحاضر على حساب الماضي، والذين سيظلون يمارسون البكاء على احداث الماضي لن يستطيعوا فعل شيء في الحاضر، فالالمان الذين كانوا يسمون انزال النورماندي «اجتياحاً» اصبح يسمى الآن تحرير المانيا، والرئيس شيراك عبر عن ذلك بلغة دقيقة حين قال «اننا نحتفل بالقيم المشتركة التي تتجاوز خصومات الامس»، واللافت ان استفتاء في المانيا اظهر ان 71% من الالمان يؤيدون مشاركة المستشار شرويدر مقابل 16% فقط يعارضونها. وهذا يعني ان الذاكرة الجمعية للناس، او الرغبة في العيش المشترك تجعلهم يتجاوزون ذكريات طرد ملايين من الالمان من الاراضي البولندية وضمها الى الاتحاد السوفيتي، وقصف الحلفاء المدمر والخسائر البشرية الضخمة.

المستشار شرويدر لا تحمل ذكرياته شيئا عن الحادث، فلقد كان في عامه الاول عندما انتهت المعارك، والرئيس شيراك كان ابن الثانية عشرة، اما رئيس وزراء بريطانيا وجورج بوش فولدا بعد ذلك، ولذلك لا تشكل تلك الاحداث الكبرى جزءا من بنائهم العاطفي ولا تدغدغ شيئا من عواطفهم الوطنية، واهم من كل ذلك ان المجتمعات المتحضرة تتجاوز الماضي وتبحث عن المشترك من اجل بناء الحاضر:

احتفالات الغد هي درس في التاريخ، وهي درس في البرجماتية السياسية، وهي درس لكل من يريد ان يتعلم ان الابناء يجب الا يتحملوا اخطاء الآباء وان الحياة لا تتوقف عند فكرة الثأر، والعداوات القديمة.