يحبه ويثق به

TT

هل هي معقولة كل هذه المصادفات العفوية البريئة؟ يعلن الحكم العراقي الجديد يوم الثلاثاء ويستقيل المستر جورج تينت يوم الخميس «لأسباب شخصية» لا يبوح بها لأحد؟ رئيس السي. اي. ايه منذ 7 سنوات، اول رجل يراه جورج بوش في الصباح، 51 عاماً وعريض المنكبين واسباب شخصية؟ اية اسباب شخصية؟ غير ان الرئيس الاميركي الذي لم يعرف شيئاً عن تشكيل الحكم العراقي قبل إعلانه، ولا عرف شيئاً عن استقالة مدير السي. اي. ايه قبل مساء الاربعاء، ايه نعم مساء الاربعاء، مثلكم مثله، غير ان هذا الرئيس الاميركي كان قد قال لبوب وودوورد مؤلف «خطة الهجوم» «انني لا أحب جورج فقط، بل الأهم انني اثق به ايضاً».

رحم الله الرئيس الياس سركيس، قال لي مرة ان أحد الناشرين يمتدح رئيس التحرير لديه بصورة غير اعتيادية: «هل تعتقد انه يريد ان يرفسه؟». وقد حدث. ولم ينتظر جورج بوش مجرد اشهر قليلة ليستقيل المستر تينت مع انتهاء ولايته. فهو في حاجة الى كبش سمين. والمستر تينت رجل ذو خصوم منذ ان أخفقت وكالته في رصد 11 سبتمبر إلا ان خطأه القاتل كان الإصغاء الى احمد الجلبي واسلوبه المقنع ومعلوماته التي لا يرقى اليها الشك حول موازين القوى في العراق! ما هي الصدفة الأخرى التي وقعت يوم الثلاثاء؟ انها يا عزيزي حل «لجنة اجتثاث البعث» التي اوصى بها الجلبي والتي بسببها دخل السجون الاميركية نحو 26 ألف انسان، وبتوصياتها حلت الدولة والجيش ووزارة التربية وتم طرد الممرضين من اجنحة الطوارئ! سوف يأخذ المستر تينت معه الى التقاعد المبكر جداً، صورة للجلبي وهو يبتسم. أما تمثال الجلبي الصغير فسوف يتركه لدونالد رامسفلد، الذي اذا لم يشعر برغبة في الاستقالة «لأسباب شخصية» قبل الانتخابات، فسوف يشعر بها بعدها.

ثمة خطأ بسيط جداً ارتكبه المستر بوش كالعادة لكنه شديد الاهمية في هذه الاشهر الدقيقة. وخلاصة ذلك ان المستر تينت من أب وأم يونانيين. واللوبي اليوناني في اميركا هو الثاني او الثالث بعد اللوبي الاسرائيلي. ولا يشكل الناخبون اليونانيون قوة واسعة مثل الايرلنديين او الايطاليين او البولنديين، لكن اللوبي نفسه يتمتع بنفوذ شديد في واشنطن والملحقات. وقد يكتشف المستر بوش انه انتقى الكبش الخطأ للحرق. ليس فقط بسبب تأثير الجالية اليونانية بل لأنه سيبدو أمام الرأي العام وقد اختار أسهل الضحايا وابعد الناس عن «فريق المحافظين الجدد» الذي تمكن في عهده وعهدته من السيطرة على كل شيء. ولا بدَّ ان احمد الجلبي يضحك في سره الآن وبين اصدقائه الجدد. فقد انتقل من غلاة الاميركيين الى غلاة الايرانيين. ولن يجد سجادة الجلوس سهلة هنا كما تبدو في الظاهر. فالايرانيون اناس اكثر تعقيداً بكثير من السجية الاميركية. واكثر تدقيقاً. واكثر شكا في كل شيء. ذلك ان الدرس الاول الذي تعلمه الثورات هو ايضاً الدرس الاخير: لا تصدق كل ما تسمع ولا تلحظ كل ما ترى. الدهر أكثر عقداً من نول الحياكة في تبريز.