مدرسة الشعر العراقي

TT

من المنجزات المنسية لصدام حسين انه علم الناس على الشعر، اذا تذكرنا ان الشعر يعتمد على التشابيه والمجاز والرموز. لمست ذلك في المراسلات التي كنا نتبادلها في عهده. تتسلم رسالة بأن أخاك دخل المستشفى، فتفهم انه في السجن. ثم تقرأ بأنه خرج من المستشفى في صحة جيدة ولكنه يستعمل الآن عكازه، فتعرف انهم عذبوه بحيث كسروا رجله.

وعلى نفس الغرار جرى التعامل مع الامور المعيشية. سأبعث لكم الاغراض مع حمد، تعني سأبعث لكم الفلوس معه. ورقم تلفون حمد 4125500 تعني ان المبلغ 4125500 دينار. اتذكر انني كتبت لاخي مؤيد بأنني انوي زيارة بغداد فأجابني بأن الجو في القاهرة في هذه الايام رائع. لماذا لا تقضي اجازتك هناك؟ المعنى واضح احذر من المجيء للعراق. ويظهر ان للعراقيين باعا طويلا في هذه الممارسات. سأل الوالي اعرابيا من قبيلة شمر عن احوال المنطقة فأجابه قائلا: «شمر بخير.. ما يعوزها غير الخام والطعام».

بيد ان من اطرف هذه الاشارات وابلغها، كانت الرسالة التي اراني اياها احد الزملاء. نظرت فلم أجد فيها شيئا يستحق الانتباه. استغربت من صاحبي ومن اضاعة وقتي فيما لا يعنيني. قلت ذلك له. فقال انظر للتاريخ يا (أبو نايل). نظرت واذا به يقول 28 شباط 1894 قلت: وماذا في ذلك؟ يظهر ان صاحبك اخطأ في كتابة الرقم. سامحه، هذا رجل عايش في بغداد وسامحه على قد عقله. فقال صاحبي، ولكن يا (أبو نايل) لاحظ علامة الاستفهام التي ترد بعد الرقم 1894؟ . الا ترى انه يقول في رسالته. ان الاحوال في بغداد رجعت مائة سنة الى الوراء.

قلت له: والله لو كان لي بعض النفوذ في استوكهولم عاصمة السويد لاعطيت جائزة نوبل في الادب لصديقك هذا. فما رأيت في البلاغة شيئا أوجز في الكلم واغنى في المعنى من هذه الاشارة.