غزة مصر وغزة فلسطين

TT

يبدو العرب، معظم العرب، وكأن لا علاقة لهم بقرار اسرائيل الانسحاب من غزة. والاستثناء الوحيد طبعاً هو مصر. ومصر تتحرك في سرعة وفي حزم، ليس من موقع زعامتها ودورها التاريخي ومسؤوليتها التاريخية، بل لسبب اكثر مباشرة وبساطة من ذلك بكثير: غزة ليست جارة مصر، بل هي امتداد لمصر. امتداد حدودي واجتماعي ومصاهرة، كما كانت الحال مع ليبيا قبل الفاتح، وكما كانت الحال مع السودان قبل وصول طلاب الوحدة القومية. لكن غزة كانت ايضاً ذات مرحلة مسؤولية مصرية مباشرة. والآن تتعاطى مصر مع المسألة وكأنها مسؤولية غير مباشرة.

السبب ان مصر ـ مثل اسرائيل ـ تريد ان تعرف لمن سوف تسلم غزة. ولاسباب مختلفة تخشى، مثل اسرائيل، ان يؤدي ضعف الرئيس ياسرعرفات الى تولي حماس والجهاد على القطاع. واذا حدث ذلك فأن غزة سوف تتحول من مستورد سري للسلاح المصري الى مصدّر علني للتحرك السياسي في مصر. ويتصور المرء ان القاهرة لن تكون شديدة الاطمئنان الى مثل هذا التغير الجوهري، في ضوء ما حدث في الجزائر من سماح ومحبة واخوة، بل ما حدث قبلها في مصر.

لذلك اوكلت قضية الانتقال في غزة الى الفريق عمر سليمان، رجل الامن الاول، باعتبار ان المسألة كلها امنية. فالمطلوب من ابو عمار اولاً، ان يختصر اجهزة الامن الكثيرة وان يوحدها في ظل رجل واحد. والاسم المفضل كان ولا يزال السيد محمد دحلان، الذي يحظى بتوافق غربي ومصري معاً. وحاول الفريق سليمان ان يوضح للرئيس عرفات بأن المسألة عاجلة ولم تعد تحتمل اي تسويف على الطريقة العربية. كما حاول ان يوضح له بأن مصر معنية في هذا الامر تماماً مثل فلسطين.

وتقول «يديعوت احرونوت» ان سليمان كان قاسياً مع «سجين قفص لا تتجاوز مساحته 158 متراً مربعا». وهذه ليست لغة مصر ولا لغة عمر سليمان وان كانت لغة شارون ولهجته وفظاظته. فأذا كان عرفات في قفص اسرائيلي فهو رئيس دولة منتخب. ولو شارك فلسطينيو الشتات في الاقتراع لكان قد نال اكبر نسبة حقيقية منذ عبد الناصر. والذي عرضه عمر سليمان على الرئيس الفلسطيني، باسم رئيس مصر، هو ان يكون مانديلا آخر. والفكرة ليست جديدة ولا طلعت من مصر. وفي اليوم الاول للاتفاق الذي ادى الى تحرر جنوب افريقيا كتب السفير كلوفيس مقصود «انني ابحث عن مانديللا فلسطيني ودو كليرك اسرائيلي». لكننا الآن نطلب من عرفات ان يكون مانديلا، في مقابل مَن وماذا؟ لقد افرج عن مانديلا لقاء الحرية ايضاً لمواطنيه. وتحول الحكم في جنوب افريقيا الى مشاركة، الفريق الاول فيها صاحب الارض. والذين يطالبون عرفات بالاستقالة يجب ان يقولوا لنا لقاء ماذا. فلا يكفي اطلاقاً ان يكون ثمن ذهاب قائد مثل عرفات مجيئ السيد محمد دحلان (ابو فادي للزملاء). او اي فلسطيني آخر. ولكن في المقابل لا يحق لعرفات الا يأخذ في الاعتبار وضع مصر، بعد شراكة نصف قرن بينها وبينه.