تطوير مستمر للعلاقات.. وتمسك متواصل بالقناعات

TT

هل صحيح أن الرئيس بشار الأسد بات على قناعة أن السياسة الخارجية السورية تراجعت وضعف أداؤها ؟؟! وهل صحيح أن الرئيس الأسد يقوم بزياراته العربية والدولية من أجل تجاوز التأخر الذي سببته وزارة الخارجية السورية للحضور السياسي السوري ؟؟!

إن من يقرأ رأي الصحفي علي جمالو وتحليله لأهداف زيارة الرئيس الأسد إلى إسبانيا والكويت («الشرق الأوسط»ـ العدد 9327 الصادر يوم الجمعة الماضي) يتوصل إلى قناعة مفادها أن سورية لزّمت مواقفها الخارجية لوزارة الخارجية، وهكذا فإن لهذه الوزارة الحق الحصري في التصرف والحركة وفي الضعف والوهن والجمود أيضاً..

ورأى الكاتب الذي يكرر عبارة «وزارة الخارجية» كمعادل لـ»«وزير الخارجية»، يلحق السياسة الخارجية لوزيرها، ويرى أنها سياسة متعثرة وواهنة وجامدة.

ويرى أن زيارة الرئيس الأسد إلى إسبانيا ثم الكويت وكما قال حرفيا هي: «لإصلاح ما أفسدته الدبلوماسية السورية في أدائها المتعثر منذ بدء الحرب الأمريكية على العراق وصولاً إلى سقوط بغداد وما تلا ذلك من تداعيات»، وحسب ما بدا للكاتب فإن تعثر الدبلوماسية السورية تجلى في عدم الوصول إلى اتفاق للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وإلى التراجع الملحوظ في التأثير السوري عبر آليات العمل العربي المشترك..

إنه طرح فريد.. اتكأ على زيارتي الرئيس الأسد إلى الكويت وإسبانيا ليرسم صورة للسياسة الخارجية السورية، لذلك أطرح هنا بعض الأفكار حول طرح الكاتب ومفرادته التحليلية:

1ـ السياسة الخارجية السورية هي موقف سورية الإقليمي والدولي، هذا الموقف الذي تصدى للملفات الأساسية بعقلانية، توازن بين المصالح والمبادئ بحيث تحافظ على المصلحة القومية للأمة العربية، وتتعاطى مع المستجدات السياسية والعسكرية بليونة ذكية وبحيوية تتوازن مع تطلعات الشعب العربي، لذلك فإن الرئيس الأسد وطاقمه الرئاسي، هو من يرسم ويقرر هذه السياسة، ووزارة الخارجية هي الجهة التي تنفذ هذه السياسة، وكما أن وزير الخارجية هو أحد أركان الطاقم الرئاسي في دراسة المواقف وبحث القرارات، فإن الرئيس هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كل تحرك أو هدوء وهو صاحب القرار في كل نشاط سياسي وكل حركة دبلوماسية، وهكذا فإن ما قام به الكاتب من إلحاق السياسة الخارجية السورية بوزارة الخارجية وبوزيرها، إنما هو من قبيل المغالطة التي يتجاهل صاحبها الحقائق الراسخة، ولا يحتاج المرء إلى عبقرية ليعرف أن وزارة الخارجية في سورية هي وزارة القصر الجمهوري، كل المواقف السياسية الخارجية هي مواقف سورية ورئيسها، الكاتب يعرف ذلك جيداً، والغريب والمثير للتساؤل حقاً تجاهله لكل ذلك، ودخوله في سراديب اتهام السياسة الخارجية بالوهن والعجز والتعثر...

2ـ اعتبر الكاتب ان سبب زيارة إسبانيا ومن ثم الكويت كانتا لتلافي التعثر والوهن الذي أصاب الدبلوماسية السورية، وهذا الرأي العبقري لم يتطرق إليه أحد، والكل كان يعرف أن زيارة إسبانيا كانت على أرضية مواقفها من الوجود العسكري الإسباني في العراق وقرار زاباتيرو بسحب قواته من المنطقة.

وقد لاحظ كل المتابعين مقدار الحفاوة الإسبانية بزيارة الرئيس الأسد، وهذا يعكس نجاح الدبلوماسية السورية، لا فشلها، وهذا ما يوضح مقدار فعالية هذه الدبلوماسية وحضورها الدائم في إسبانيا، وهي دبلوماسية ناجحة ومؤثرة لأن الرئيس الأسد يرسمها ويقررها، ولأن وزارة الخارجية تنفذها وتتابعها..

وهكذا فإن زيارة إسبانيا هي دليل نجاح وحيوية للدبلوماسية السورية وليست دواء لعجزها وقصورها كما استنتج كاتب المقال المشار اليه.

3ـ أما زيارة الكويت فهي لم تكن لمعالجة خلل وتقصير الدبلوماسية السورية، بل هي وكما صرح الرئيس الأسد للتشاور حول ما يحيق بنا إذ قال الرئيس: «نحن نعيش في منطقة مضطربة تحدق بها الأخطار... ونحن كدول مجاورة للعراق علينا التفاهم دائماً لمواجهة التحديات لأننا أول من سيتضرر إذا لم تهدأ الأمور فيه ..»، وهكذا فإن زيارة الكويت لبحث المستجدات، والكل يعرف أن من المستجدات، وجود رئيس جديد في العراق وحكومة وهناك حل لمجلس الحكم وهناك قرار جديد من مجلس الأمن الى غير ذلك.

وإن التعاطي مع هذه المستجدات بسرعة وتفاعل هو دليل حيوية الدبلوماسية السورية ودليل فاعليتها لا دليل تعثرها كما حاول الكاتب أن يستنتج من الزيارة، أو كما انساق إلى اعتبار الزيارة رداً على عجز وزارة الخارجية، ولا أعرف كيف استطاع أن يتجاهل حقيقة أن الزيارة رداً على المستجدات، وجعلها ـ الزيارة ـ رداً على تقصير وزارة الخارجية.. إنه انسياق يثير التساؤل على الأقل.

4ـ في موضوع التأثير السوري في العمل العربي المشترك، رأى الكاتب أن الدبلوماسية السورية قد أضعفت التأثير السوري، ولكن من يراجع حيوية السياسة الخارجية السورية وتأثيرها في تعديل مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز، لتصبح مبادرة العرب الحافظة لحقوقها، ومن يراجع فعل الدبلوماسية السورية في خلق التنسيق بين سورية ومصر والسعودية لإنجاز «وثيقة العهد» ودفع سورية من أجل الحفاظ على الجامعة العربية وجمع العرب في قمتهم، ومن يراجع بيان قمة العرب الأخير، من يراجع كل ذلك يدرك قوة وتأثير الدبلوماسية السورية في العمل العربي المشترك، وبكل وضوح فإنني أعتقد أنه لولا النشاط السوري لما بقي شيء من التماسك في العمل العربي المشترك، والإبقاء على الحد الأدنى من التماسك هو نجاح عبقري أمام احتمالات الشرذمة والتفرقة.. بعد ذلك يحق لنا أن نسأل عن مبرر استنتاجات بل اتهامات الكاتب للدبلوماسية السورية ووصفها بالضعف فيما يتعلق بالعمل العربي المشترك..

5 ـ أما عن الشراكة السورية الأوروبية، فكأنما نسي الكاتب ان الدبلوماسية السورية أنجزت هذا الاتفاق الذي أعلنه المفاوض الأوروبي كريستيان لو فيلر في التاسع من كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي، وبدل أن يبحث الكاتب عمن يقف وراء عرقلة إتمام الاتفاق فإنه اتهم الدبلوماسية السورية بالتسبب بهذا التأخير، وبدل التحري عن الدور الأمريكي والإسرائيلي، راح يتهم أداء وزارة الخارجية السورية، إنه تحليل غريب فعلا، بل هو مثير للتساؤل.

***

فقد بحث مقال علي جمالو بحث في زيارتي الرئيس الأسد إلى الكويت وإسبانيا، ودرسهما من حيث الوظيفة والتشخيص، وإذا استعرنا منه «الوظيفة» فإننا نسأل ما وظيفة التحليل الذي يريد أن يقسم السياسة الخارجية السورية إلى قسمين: قسم ضعيف وما زال يتعثر منذ بدء الحرب العراقية حتى الآن (وزارة الخارجية)، وقسم يحاول إيجاد نقاط ليتكئ عليها في ترميمه لهذا العجز عبر الاتصال بالعالم (الرئيس الأسد)؟

إن مثل هذا التحليل يأخذ القارئ إلى دهاليز وهمية في السياسة الخارجية السورية، تشعر القارئ بأنه أمام مواقف مترددة مهزوزة، وأمام دراما تشويقية يقوم الرئيس فيها بدور من يتصدى للمقصر والمتعثر، وهي دراما تقدم الموقف السوري على أنه موقف ارتجال انفعالي شخصاني. وهذه الصورة لا تنال من وزارة أو من وزير، بل تنال من موقف سورية برمتها، وهنا السؤال عن وظيفة مثل هذا التحليل.

ولمصلحة من هذه الدراما الوهمية التي تنال من السياسة الخارجية السورية.. إنه سؤال عن الوظيفة وهو سؤال غير اتهامي أبداً، أبداً.

* كاتب وإعلامي سوريٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ