رمي اليهود في البحر

TT

الشعارات السياسية العربية الخاطئة كثيرة، ولكن أسوأها في رأيي كان شعار «رمي اليهود في البحر» الذي نطق به أحمد الشقيري صراحة في .1967 ما زلنا ندفع ثمنه. لم يكن مجرد شعار واه عاجز عن التنفيذ وإنما ساعد إسرائيل كذلك على تعبئة اليهود عالميا ضدنا وتحويل الرأي العام العالمي إلى جانبها. كان هناك قطاع كبير من اليهود الأمريكان لم يؤمنوا بالصهيونية ولا بإقامة إسرائيل، انتظموا في ما سمي بالمجلس الأمريكي لليهودية. كان من أقطابه الحاخام ألمر برغر، صديق العرب، والكاتبان موشي منوحين وألفريد لننتال اللذان نشرا كتابين مهمين في التنديد بإسرائيل والصهيونية. انهار هذا الجناح كليا في أزمة يوليو 1967 عندما شعر يهود العالم بأن العرب عقدوا العزم فعلا على إلقاء اليهود في البحر. جرى تحول مشابه نحو الصهيونية في كل الطوائف اليهودية عالميا.

أدت حرب 1967 إلى نسف هذا الشعار، ولكنه تحول إلى منحنى جديد أخذ صبغة تقتيل اليهود الإسرائيليين بالعمليات التي تكللت بعملية قتل الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ. هنا، أيضا استغلت المنظمة الصهيونية أحداث هذا الأسلوب لصالحها في كسب الرأي العام. أدى هذا الشعار في الأخير إلى العمليات الانتحارية.

كان لشعار رمي اليهود في البحر ثم شعارات العمل الفدائي والانتحاري آثارها البليغة على الرأي العام داخل إسرائيل. هنا أيضا كانت قطاعات مختلفة تؤمن بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة والتفاهم مع العرب. كان هناك من آمنوا بالدولة الثنائية القومية، دولة عربية/يهودية. آخرون من اليسار كمنظمة ماتسبان رفضو حتى اقامة اسرائيل، آمن بمثل ذلك بعض المتدينين كجماعة نتورا كارتا. وبالطبع سيطر حزب العمل وحزب المايام وجماعة السلام على الكنيست والدولة.

لكن شعارات العمل الفدائي وغياب اي آيديولوجية فلسطينية لا عنفية وسيطرة منظمة التحرير والفصائل المتشعبة منها على الساحة، عزز في قلوب الاسرائيليين مشاعر الخوف والشك، وبها انهارت تلك الشرائح الاسرائيلية بما فيها حزب العمل والمابام وانفتح الطريق لليكود واليمين الاسرائيلي وانتهينا الى هذا الموقف الحالي.

ألتقي مرارا باسرائيليين يساريين او لبراليين تركوا اسرائيل او تخلوا عن العمل السياسي. وكلهم يعربون عن خيبتهم بالعرب ويلقون بالمسؤولية على التزمت والتطرف العربي والاسلامي.

كان من اكبر الاخطاء التي وقع بها عبد الناصر تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. فقد كرست في ذهننا فكرة تحرير فلسطين من اليهود. وهو كضابط كان عليه ان يفهم ان الدول العربية برمتها عجزت عن ذلك، فكيف تقوم به منظمة من بضعة آلاف رجل؟ انه تنصل من المسؤولية، وهي محاولة حسم النزاع إما عسكريا فعلا، او بالتفاهم والتسوية في ظل الأمر الواقع. وفي اطار التنصل من المسؤولية، راحوا يغدقون بالملايين على المنظمة، والمنظمة لا تعرف ماذا تفعل بها.

وتحول الأمر الى الفساد الذي ذاع صيته عالميا وأصبح بحد ذاته عقبة أمام حل المشكلة.