الأصابع ليست سواسية

TT

أخذ يحدّثني وهو متذمر، بادئاً كلامه بقوله: يقطع النسوان وأيام النسوان. والواقع انني امتعضت بل ونفرت من دعوته السخيفة تلك على النسوان. صحيح ان البعض منهن مزعجات، وبائخات، وبائعات كلام، أو لا يفقهن شيئاً من ضروب الشياكة واللطافة والحبابة، غير أن الكثيرات منهن أوتين من رجاحة العقل والنفس وكذلك الجسم الشيء الكثير.. فيجب ألاّ نعمم، فيعمينا الغضب، ونرجم كل أنثى بما ليس فيها، وإنما بما فيها.

التفت أنا إلى محدثي التفاتة تنم عن انزعاجي، ولويت يدي بعلامة استفهام دون أن انطق، وكأنني اسأله: إيه اللي حصل؟!

زفر زفرة غير مريحة، فشممت من زفرته «باد برث» ـ أي أن رائحة أنفاسه كانت «مش ولا بد» ـ فابتعدت عنه ثلاث خطوات، لكي «أؤمّن» على حالي، ولكي أعطيه في نفس الوقت المجال الكافي لكي يزفر ويفضفض على كيفه.

قال بعد قليل من الجهد: يا سيدي ذهبت البارحة إلى احد «المولات»، أو الأسواق الكبيرة، بصحبة زوجتي، وكنت مجرد مرافق لها.. والله لا يوريك من اللف والدوران، ولو لم أكن لابساً «جزمة» لكانت أقدامي قد حفيت بدون شك، نظرت إلى جزمته ووجدتها «تلمع»، فخمنت أنها أغلى ما فيه.

قلت له: وما هو الشيء المستغرب أو الخطير في الموضوع، فما أكثر الرجال الذين يرافقون زوجاتهم «ويدفّون» لهن العربيات، ويحملون الأكياس، ويفسحون لهن الطرقات، ويروون لهن «النكات»؟!

قال لي: الموضوع ليس بهذه البساطة التي تتصورها، فلو أن الموضوع اقتصر على ذلك لهانت.. والحقيقة أنني «ارتعبت» عندما قال لي ما قاله، لأنني تصورت أو تيقنت أن أمراً جللاً قد حصل فعلاً.

وبدون شعور سألته: هل لا سمح الله إن زوجتك قد ارتكبت جريمة ما، كأن تكون قد قتلت أو عضت أحداً؟ فقال: يا ليت، فلو أن ذلك قد حصل فسوف تنال عقابها.. غير أن الموضوع وما فيه أنني أنا الذي كنت سوف اذهب في «داهية» ـ واستمر في «هذره» قائلاً: دخلت زوجتي أحد الدكاكين في نهاية مشوارنا، ووعدتني بأنها لن تمكث سوى خمس دقائق، وانتظرت في الخارج، وكنت متعباً، «ومحصورا»، وطفشاناً، وعندما تأخرت عن موعدها، أخذت انقر لها على الواجهة الزجاجية، وهي تؤشر لي قائلة «شوي شوي»، ثم عشر دقائق «وشوي شوي»، ثم عشرون «وشوي شوي».. وعندما عيل صبري، لا ادري ما الذي هبلني عندما شاهدت بجانبي إحدى السيدات تتفرج على «الفترينة»، فتقدمت ناحيتها مسلّماً عليها وراجياً منها أن تكلمني، فقالت باستغراب لماذا؟ فقلت لها إن زوجتي داخل المحل لها أكثر من نصف ساعة، وأنني على يقين أنها سوف تخرج حالاً إذا لمحتني أكلمك، وفعلاً لم أتم كلماتي تلك حتى وجدت زوجتي بكامل شراستها خارجة «كالعاصوف» من الدكان تريد أن تطربق الدنيا على رأسي.

والحمد لله انه لم يكن هناك احد من رجال «الحسبة»، كما أنني احمد الله على أن المرأة التي كلمتها كانت حليمة ومؤدبة، ولو أنها «ولولت» بالصياح، فلا شك انه سوف ينالني الكثير من «اللكمات» من أصحاب الشهامة والغيرة... وختم كلامه قائلاً: بالله عليك قل لي كيف أخرجها من «البوتيك» لو لم افعل ذلك؟ أليس معي حق عندما قلت: «يقطع النسوان»؟

قلت له ولا زال بيني وبينه أكثر من ثلاث خطوات: معاك حق، بس «مش كل النسوان».