النفط السعودي والإرهاب والغرب

TT

ظروف اجتمعت معاً لزيادة سعر النفط هي الصين والمضاربة وخطورة الوضع السياسي في الشرق الأوسط وموسم الاجازات في أمريكا وانخفاض قيمة الدولار، فالصين تشهد نشاطاً اقتصادياً سريعاً إنها تطلب، بل تلتهم، كل شيء، النفط والحديد والفحم والاسمنت مما رفع سعر هذه المواد عالمياً، وبالطبع يتمنى المستهلك العالمي ان يتوقف الانتعاش الاقتصادي في الصين بحيث تحدث وفرة في العرض من هذه السلع وبالتالي ينخفض أسعارها كما حدث لبعض الأجهزة الاستهلاكية المنتجة في الصين.

اذاً تعتبر الصين أحد مسببات التضخم العالمي فالعالم بأجمعه، يشعر بارتفاع أسعار المواد الخام، لقد أضافت الصين مؤخراً مليونا وثمانمائة ألف سيارة على طرقاتها الكثيرة وأصبح المجموع 10 ملايين سيارة، وبالمعدل الحالي قد يتضاعف عدد السيارات كل 3 إلى 4 سنوات، أما شركات السيارات العالمية فتتسابق لبناء مصانع لها في الصين مثل فولكس فاجن ومرسيدس، لذلك أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط بعدما كان لها اكتفاء ذاتي منه قبل 10 سنوات، كما تحتاج إلى واردات هائلة من الفحم والخشب ومواد الخام الأخرى. فسكان الصين يبلغ عددهم مليارا و300 مليون نسمة ولنا أن نتخيل إذا ما استورد شعبها العادات الاستهلاكية الغربية فسوف يتضاعف الطلب على الفحم مثلاً ويزداد التلوث وانبعاث الغازات في جو الأرض. لولا ضيق البراح لأسهبنا في الحديث عن الصين، وباختصار، شهية الصين مفتوحة على المواد الخام بكل أنواعها حتى ان تأثيرها في رفع الأسعار العالمية سيمتد إلى السلع الكمالية، المصنوعة في أوروبا مثلاً، وهذا بلا شك سيعتبر كارثة على المستهلك أينما كان. المضاربة أيضا هي من أسباب رفع سعر النفط، فخلال الأشهر الماضية اشترت مجموعة من المستثمرين كميات كبيرة من النفط في بورصة نيويورك على أمل البيع مستقبلاً بثمن أعلى من السعر السائد وقت الشراء، فالمضاربون يراقبون المؤشر الاقتصادي الخاص بالنفط في هذه البورصة منذ عام 1983، وأصبح للمؤشر دور في تحديد التوجهات العالمية لأسعار النفط الخام، فهناك إذاً ما يسمى بـ (فقاعة مضاربات) Speculative Bubble خلقت فارقاً كبيراً في السعر بسبب تهافت المضاربين على الشراء مما رفع سعر برميل النفط إلى أعلى من 40 دولارا بقليل، بينما لو لم يضاربوا لكان سعر البرميل بين 30 و32 دولارا مثلاً. عدم الاستقرار السياسي في بعض دول الأوبك مثل الوضع في العراق والنزاع الداخلي في فنزويلا ونيجيريا، والخوف من مهاجمة الإرهابيين للبنية النفطية في العراق والسعودية مما يعرض الإمدادات النفطية للانقطاع، هذه المخاوف دفعت الحكومة الأمريكية إلى شراء المزيد من النفط في السوق المفتوحة من اجل الإضافة إلى الاحتياطي البترولي الاستراتيجي في أمريكا. كما أن الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة ودخول فترة الصيف وهو موسم الاجازات يدفع الناس هناك إلى قيادة السيارات بكثرة، فأمريكا في العادة تستهلك ربع الإنتاج العالمي من النفط، لكن المشكلة التي تعترضهم أن قنوات توزيع النفط تتعرض لاختناقات ويصعب شحن الوقود من ولاية إلى ولاية أخرى مما يرفع سعر البنزين، وهذا الأمر مؤقت بطبيعة الحال. لكن من أهم مسببات الزيادة في سعر النفط في الولايات المتحدة هو انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، والأمر باختصار شديد هو أن الحكومة الأمريكية تواجه نقصا في الإيرادات المالية بسبب المصروفات الهائلة في الخارج، وعندما يحدث العجز في أمريكا ينخفض سعر الفائدة، وبانخفاض سعر الفائدة لا تتوجه الاستثمارات الأوروبية إلى أمريكا وبالتالي يقل الطلب على الدولار فتنخفض قيمته. هنا تطلب دول الأوبك تعويضاً على انخفاض الدولار الذي تبيع به النفط، لذلك تقوم الأوبك برفع سعر النفط تعويضاً عن انخفاض الدولار. إن مهاجمة العاملين في المؤسسات النفطية السعودية، ومقتل بعض الأجانب في مصفاة النفط في مدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر، وتعرض أنابيب النفط في العراق للتخريب عوامل تثير الاضطراب في السوق النفطي مما يرفع سعر النفط، فأي خطر ارهابي ولو بسيط تتعرض له المؤسسات النفطية السعودية يكفي لدفع السعر إلى أعلى بفارق من 4 إلى 8 دولارات يسمى بفارق السعر نتيجة المخاطر الإرهابية Terror Premium. هذا وتعتبر السعودية في نظر الغرب عضوا نشيطا في منظمة دول الاوبك، معتدلا في موقفه في ما يتعلق بأسعار النفط، ولا يخلو تحليل اقتصادي أوروبي أو أمريكي عن دول الأوبك إلا ويشيد بدور السعودية في المحافظة على استقرار السوق النفطي، فالسعودية، كما يراها الغرب، تمتلك ربع الاحتياطي العالمي من النفط إلى درجة أننا لو جمعنا احتياطي روسيا ونيجيريا وآلاسكا معاً فلن يبلغ حاصل الجمع كمية الاحتياطي السعودي، وهي البلد الوحيد الذي يمتلك طاقة نفطية معطلة او لنقل موجودة في باطن الأرض لا يجري السحب منها إلا عند حالات الطوارئ إشباعا للطلب العالمي، فعندما تعطل الانتاج البترولي في العراق وايران أثناء الحرب العراقية الايرانية في الثمانينات زادت السعودية من إنتاجها النفطي لحاجة السوق، وفعلت الشيء نفسه خلال حرب الخليج الأولى عام 1991، وكذلك عندما تعطل الإنتاج الفنزويلي والنيجيري في العام الماضي. وبالنظر الى الحقائق الجيولوجية والسوقية تعتبر السعودية دولة نفطية لا يستغني الغرب عنها، اذ يسميها أحد التحليلات الاقتصادية المرموقة بـ(بنك النفط المركزي) Central Bank of Oil لأنها مصدر مضمون للنفط، بل تقول ان صحة الاقتصاد العالمي تكمن في الحصول على إمدادات النفط من هذه الدولة الشرق أوسطية!

السعودية لم تغفل عن هذه الاحتمالات فقد وضعت حوالي 30000 حارس على منشآتها النفطية، وتستخدم تقنية عالية المستوى لتحصين القطاع النفطي من بينها إقامة مواقع دفاعية مضادة للطائرات، والاستعانة بطائرات خاصة لمراقبة المراكز النفطية من الجو، وذلك حتى تقطع الطريق أمام يد الإرهاب الآثمة.

* كاتب وديبلوماسي كويتي