حوار الرجال حول النساء

TT

الحوار الذي دار في المدينة المنورة، حول دور المرأة في المجتمع، بين المحافظين والتحديثيين ظهر مشوقا وثريا، بل وحضاريا في أسلوبه.

وليس سرا أن المملكة العربية السعودية هي أكثر البلدان محافظة بمعناها الاجتماعي ذات القائمة الطويلة، واشهرها ترديدا في العالم منع المرأة من قيادة السيارة. أظهر الحوار خطأ ما كان يظن في الخارج من أن محظورات المرأة هي قرارات حكومية قراقوشية ليرى الجميع انها طروحات اجتماعية متجذرة، وما القوانين الا ترجمة للأمر الواقع.

فالبلاد ورثت طبائع ومفاهيم تراكمت فوقها عادات تأسست حديثا من جراء الانتقال من فقر البداوة الى حضارة البترول، والعادات الطارئة اكثر اشكالا مثل منع المرأة من قيادة السيارة وهي في وقت قريب كانت تقود الحمار.

وأعرف انه يصعب على الاجنبي ان يفهم التقاليد القائمة، وتحديدا تلك التي تقرر للمرأة كل شيء، بما في ذلك الجلوس في المقعد الخلفي في السيارة، لكنها حياة قائمة بذاتها لا علاقة لها بالعالم خارج الحدود، وان كانت اليوم محل نقاش بين جيلين. ولا أدري كم سيمضي على هذا النمط من الحياة حيث كان يظن منذ الستينات انها لن تطول بلباسها المألوف، وان كنت اعتقد انها ستتبدل في يوم ما. وسيأتي يوم تعلق فيه بعض ممنوعات المرأة على صور الجدران التاريخية، ضمن الذكريات التي تروى.

أعود للتعليق على الحوار نفسه مؤكدا أنه اعطى انطباعا جيدا عن الطرفين مع ان التصور المسبق عن المحافظين، الرافضين للتغيير، انهم سلبيون وانغلاقيون عن جهل. للحق ظهروا راغبين في شرح موقفهم بلا صلف او استاذية او مشيخة علمية، كما كان يظن. شرحوا موقفهم باحترام كامل للطرف الآخر.

وبعد مشاهدة اطراف النقاش شعرت ان الطروحات المحافظة عبرت بتركيز عن مخاوفها من التغيير، وبالتالي أعطت انطباعا بانها في حاجة الى حوار اكثر يقوم على تشريح اجتماعي ودرس علمي. وهنا ميزة الحوار انه يعمل كـ«مساج» عقلي يساعد على استقبال الآراء بحساسية أقل وبذهنية اكثر شمولية. ولأن الاعتراضات التي طرحت من قبلهم تبدو «منطقية»، لا دوغماتية، فهي تنبىء بانها مؤهلة للمراجعة وربما التغيير. وفي رأيي ان هؤلاء الافاضل سيجدون أسبابا اكثر الحاحا، من ذرائع الخوف على المرأة، تقنعهم بالقبول بسنة التغيير. هؤلاء يملكون القدرة على التغيير. هم، لا الحكومة، يستطيعون ان يقرروا مصير امة في قضايا تنتظر الحسم منذ نحو نصف قرن، والخروج من ازمة من الافضل ان تحسم من خلالهم وبرأيهم على ان تقر من بعدهم أو بغيرهم.

جولة النقاش انتهت والمشكلة في بدايتها، فهناك خمسة ملايين امرأة معظمهن بلا عمل، ومعظم الذكور في حاجة ايضا الى مصدر دخل اضافي، والوضع القائم المتكل على الخدمات الاجنبية المنزلية غير مؤهل للاستمرار، كما ان القناعات عند المحافظين الشبان غير قناعات ابائهم.