الورطة العسكرية في تنظيم الجيش الأميركي المقبل

TT

القوات الاميركية تعاني اليوم من مشكلة كبيرة. إذ اقترب موعد تسريح الاف من أفرادها، لكن وزارة الدفاع الاميركية راغبة في تمديد خدماتهم بشكل غير محدد. وهذا من شأنه ان يولد بلبلة اجتماعية كبيرة واضطرابا في الحياة المدنية والعامة، لأن العديد من هؤلاء الجنود قد ارتبطوا في برامج عمل أو تدريب مسبقة، أو مواعيد محددة، وأي إخلال بها قد يؤثر على مستقبلهم تماما. ثم إن مسألة إطالة الخدمة العسكرية في الظروف القتالية الفعلية، كما في العراق وأفغانستان، له آثاره الجسدية والنفسية المدمرة على المدى البعيد.

ويقف هذان البلدان طبعا وراء هذه المشكلة التي يرجعها البعض الى قصر نظر المخططين في وزارة الدفاع الاميركية الذين فشلوا في تقدير عدد الجنود المطلوبين للخدمة والوقت اللازم لابقائهم فيها، خاصة وأنهم جميعا من المتطوعين لفترات قصيرة وليسوا من المجندين المحترفين بعدما أبطل البنتاغون الخدمة الإلزامية.

وتتحدث الادارة الاميركية الحالية حول ضرورة الاحتفاظ الان بعدد كبير من القوات الاميركية في العراق وافغانستان بعدما أشارت الاحداث الحالية الى ضرورة وجود هذا العدد الكبير حتى نهاية العام المقبل على الاقل.

المشكلة أيضا ان البنتاغون لا يستطيع بين ليلة وضحاها زيادة عديد الجنود وتوسيع حجم قواته البرية، ثم ان فعل ذلك في الاوقات العادية، اي من دون وجود أوضاع مثل العراق وأفغانستان، من شأنه تكبيد الميزانية الاميركية مبالغ طائلة تصل الى عشرات المليارات من دون داع. ولكن احتمالات حدوث تطورات مفاجئة وتطلب الامر وجود قوات كثيفة على الارض، فإن الاعداد لها وتنظيم حشودها يستدعيان سنتين على الاقل، مع بذل جهود جبارة للتدريب.

في الوقت ذاته فإن وجود مثل هذا الجيش الجرار، من شأنه إرسال رسالة خاطئة الى العالم قد يساء تفسيرها وقد تطلق من جديد شرارة سباق التسلح.

في الواقع إن زوال الحرب الباردة أربكت المخططين العسكريين الاميركيين. فقد أعدوا جيشا صغيرا نسبيا يكفي الولايات المتحدة في عالم جديد ويدافع عن مصالحها الحيوية، وليس لمجابهة قوة عالمية كبرى مثل الاتحاد السوفياتي السابق. كما أخذ هؤلاء المخططون في الاعتبار مسألة المشاركة في عمليات حفظ السلام تحت راية الامم المتحدة، الموجهة للدول الممزقة التي تعاني من حروب أهلية، أو نزاعات جغرافية أو دينية، أو من انتفاضات اقليمية التي قد تحصل هنا وهناك، ولكن من دون التفكير انها ستطول كثيرا، بل اعتقدوا انها ستكون قصيرة الاجل لا تتعدى الاسابيع القليلة، فضلا عن أن العديد من الدول الاخرى، الحليفة وغير الحليفة، ستسارع الى الانضمام الى الاميركيين في مثل هذه العمليات ليكون العبء موزعا على الجميع. من هنا جاءت البنية العسكرية الاميركية الجديدة مصممة على هذه الرؤية التي أثبتت الايام لاحقا انها لا تصح دائما. وهذا ما اثبتته أحداث العراق التي قلبت الموازين الجديدة جميعها في البنتاغون، لكن تغييرها ووضع استراتيجية أخرى مناسبة لاستيعاب احتمالات مثل هذه الاحداث قد يكون خطأ ايضا في حال مرور سنوات من الهدوء والسكينة في الساحة الدولية، إذ تكون الولايات المتحدة قد احتفظت بجيش جرار دون داع، بكل ما يترتب على ذلك من انعكاسات مالية واقتصادية واجتماعية.

من هنا الورطة التي يقع فيها البنتاغون الان، والذي لا يدري ماذا سيفعل حيالها عندما يضع الميزانية العسكرية الجديدة للاعوام المقبلة، مع الاستراتيجية المرافقة لها.