قمة الثمانية.. حالة فشل أخرى لسياسات إدارة بوش

TT

لا أظن أن أي تقييم موضوعي لناتج قمة الدول الصناعية الكبرى الثماني، على مستوى النجاح والفشل بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن أن يتغافل عن حقيقة أولية وساطعة، وهي أن هذه القمة تعتبر فشلا جديدا ينضم الى حالة الفشل الأخرى التي ظلت تصاحب أداء الإدارة الأميركية الحالية في سياستها الخارجية.

والى ذلك، وإذا ما أخذنا بداية محاولة الرئيس بوش لإقناع ضيوفه لجهة مهام جديدة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) للقيام بدور جديد في العراق، لا بد أن نعترف بأن الفكرة قد اصطدمت بمعارضة من الحلفاء وفي مقدمتهم فرنسا، برغم تقديري بصحة الفكرة، لأني ومن جانبي، ظللت، على الدوام، مع حقبة ما بعد الحرب الباردة، من دعاة تمديد عضوية الناتو، ومع عقيدة تقول بدور جديد له، ضعها إن شئت تحت شعار «اعمل دائما خارج النطاق الجغرافي السابق للناتو، وخارج سياقات مهامه السابقة». ومن هنا، وللعلم فقد ضغطت، ومنذ البداية، لجهة دور له في البوسنة وكوسوفو، ومن بعد في أفغانستان.

ولكن مشكلة اقتراح الرئيس بوش في قمة الثماني أنه جاء متأخرا، لأنه ومع مجيئها لتقديمه، كانت المواقف بين أعضاء الحلف قد تباعدت سلفا، وتعمقت على قناعة شبه مؤكدة بأن أميركا لم تعد قادرة على لعب دور قيادتها التقليدية للحلف. وهنا لا بد أن نعترف بأن إدارة بوش لم تتفهم يوما قيمة الناتو مع قضية العراق، لأنها ومع مجيء الظرف الذي تعرفت فيه لما يمكن أن يسهم به الناتو في القضية، كانت قد دمرت العلاقات في داخله فأصبح حالها هو هذا الحال الذي لا تكون فيه قادرة على المطالبة بما هو أكثر من (الكسر) في مكان (العدد الصحيح)، بل أن الكسر أو العشر ذاته، على ضآلته، لم يعد سهل الحصول، ومن الدولة التي تتولى مهام القيادة، إنها مفارقة.

والقول بالمفارقة هنا لا يأتي من فراغ، وأعيد للذاكرة هنا أنه وبعد ذهاب الولايات المتحدة الى أفغانستان مباشرة، عرض البريطانيون والفرنسيون والألمان مساعداتهم للناتو في أفغانستان، بل أن المستشار الألماني شرودر ذهب الى البرلمان ليحصل على غطاء تشريعي، وكسب جولته بفارق أصوات ضئيلة، ولكن هذه الإدارة، وفي مكان توظيف هذا الزخم واستثماره، فاجأت الجميع برفض فوري من الجنرال تومي فرانكس ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد. إنها قصة حزينة، أن يكون ذلك حال دولة هي التي خلقت الناتو وتولت عبء قيادته لنصف قرن من الزمان.

وتقديري أن هذا الرفض يشكل بداية سيئة لحقبة ما بعد 11 سبتمبر،لأن أخطر تبعاته كانت أننا ومع حلول الوقت الذي ذهبنا فيه للعراق، كنا قد تركنا الناتو متوترا، ولذلك وحين جئنا إلى قمة الثماني للتصحيح، جاءت صورتنا كمن يحاول أن يرجع في رحلته طريقا طويلا الى الخلف بحثا عن بداية كانت بين يديه.

من هنا فالفشل في قمة الثماني هو الوصف الصحيح لأداء هذه الإدارة، فواشنطن لم تحصل خلالها على أي من المسألتين اللتين رغبت فيهما، أي المساعدة في ديون العراق، والتزامات للناتو، وذلك جزء يسير من ثمن فشل مستحق لإدارة استصحبت طوال عامين سلوكا حفل بالغرور والتعالي تجاه حلفاء مهمين.

ومع ذلك، فالسؤال المعلق في سماء أميركا مع حمى الانتخابات الرئاسية الجارية، ومع محورية علاقات أميركا بالناتو، هو: وهل يمكن لحلفاء مهمين مثل فرنسا وألمانيا واسبانيا وآخرين أن يعودوا للإبحار مع واشنطن في مركب واحد اذا ما فاز جون كيري مثلا، ليعتبروا أن المركب قد خلا من أمتعة الرئيس بوش ؟

وأقول هنا، إن أي تخمين لا يعدو كونه مجرد اجتراء حين يتعلق الأمر سواء بما سيحدث في أميركا أو العراق خلال الأشهر القليلة المقبلة، ولكن ذلك لا يلغي الاعتراف بأن هناك فرقا واضحا بين كيري وبوش، فالأول

أي كيري، منغمس بتعمق في تقاليد العالمية وبناء التحالفات، في حين أن هذه الإدارة، وبرغم معاناتها من انشقاق عميق بين المعتدلين والمتشددين، تؤمن بسير الطريق بمفردها، ولا تؤمن بمشاركة الآخر الا إذا كانت وفقا لشروطها، والذي يستحق التسجيل هنا مع مثل هذه العقيدة السياسية، ومن وجهة نظر الفقه السياسي البحت، هو أنه، وحتى مع الدولة العظمى الوحيدة، فإن قدرتها على الأداء الأحادي لا يمكن أن تستمر الى ما لا نهاية.

وهناك من التجليات الآن ما يسعف على تأكيد ما قلنا به، فحين نشرنا قوتنا بصورة ضئيلة أو ضعيفة، جاء الواقع ليقول لنا إنه، وإذا ما أردتم إعادة تعزيز موقعكم في العراق وأفغانستان، فإن عليكم أن تسحبوا فرقة عسكرية من قواتكم في كوريا الجنوبية، وفي هذا الظرف الزمني الذي يستصحب المفاوضات الحرجة حول نزع أسلحة الدمار الشامل مع الشطر الكوري الشمالي، لنجد أنفسنا مضطرين لاتخاذ قرار مثل هذا، وهو وبكل المقاييس غير عادي.

والأدهى أننا، وفي نفس الوقت، نقوم بسحب آخر قوات أميركية من البوسنة ومن قبل استكمال المهمة، وهو قرار غير مسؤول وسيعرض السلام هناك لمخاطر جديدة في مناخ سياسي لا يزال فيه قتلة مثل رادوفان كراديتش وراتكو ميلاديتش يملكون أفقا واسعا.

صحيح أن المأزق في العراق حرج، ولكنه ناتج أخطاء والإصرار على تجاهلها. ومع ذلك فالسؤال الأخير هو، هل من بصيص أمل للخروج من النفق؟ وأقول هنا، وكدبلوماسي، إن وصول السفير جون نغروبونتي ربما يساعد على تلطيف موجات العداء لأميركا وتناميها خلال الشهور الأخيرة، وهي وفي معظمها، تعود الى دور السفير الحالي بول بريمر، ولكن نغروبونتي دبلوماسي حصيف تسنده تجربة واسعة يكفي لتبيان عمقها القول إنها تضم بين دفتيها سنوات في فيتنام. ولكن مثل هذا القول لا يعدو كونه مجرد أمل، فالأحداث وكما أسلفت كبيرة، والأخطاء والتعاطي معها أيضا ظلا كبيرين، وتلك في ذاتها مشكلة أخرى.

* سفير أميركا السابق لدى الأمم المتحدة وألمانيا ورئيس مفاوضي اتفاقات دايتون للسلام في البوسنة.. المقال من مقابلة له مع ناثان غاردلز رئيس تحرير «غلوبال فيو بوينت» خاص بـ«الشرق الاوسط»