إلى العرب: لا تقتلوا الأفكار لمجرد كونها أميركية

TT

زيارتي الى الهند والصين خلال الاشهر القليلة السابقة اكدت لي مدى حاجة الاميركيين الى استكمال الولايات المتحدة مهمتها في العراق وتقليص وجودها فيه، ليس رغبة في غسل ايدينا من فكرة وضرورة ترقية الاصلاح في العالم العربي، ولكن من اجل دفع هذه الجهود.

ليس بوسعنا ان نفرض الاصلاح فرضا على العرب. انظروا كيف تقبل العالم العربي والاسلامي مقترحات الاصلاح حتى في صيغتها المخففة التي اصدرتها قمة الدول الصناعية الثماني الاخيرة تحت عنوان «مبادرة الشرق الاوسط الواسع»، اذ لم تبد أي جهة اهتماما يذكر بهذه المبادرة، ذلك ان الفكرة برمتها ماتت مع وصولها لأنها مصنوعة في اميركا.

الضغوط باتجاه التغيير لا بد ان تأتي من الداخل، واعتقد ان ذلك ممكن الحدوث اذا قلصت أميركا من وجودها. وعلى العالم العربي النظر بوضوح الى حقيقة ان الصين والهند وسري لانكا والفلبين، أي الدول التي كانت توفر العمالة للمشاريع الانشائية في الدول العربية، قد قطعت شوطا طويلا في تنمية بلادها وباتت تنافس اميركا في تنفيذ المشاريع. بمعنى آخر، هناك طريقتان أمام أميركا فيما يتعلق بترقية الاصلاح في العالم العربي، حيث يوجد كم هائل من المهارات والقدرات الفردية، خصوصا وسط النساء.

احدى الطريقتين تتمثل في محاولة فرض الاصلاحات، وهذه طريقة اثبتت التجارب عدم نجاحها. فالسياسة الاميركية اصبحت مرفوضة في العالم العربي الى درجة ان العداء للاصلاحات يمكن بسهولة ان يبطل عملية الاصلاح ويثير الشكوك حولها بدمغها بأنها مخطط اميركي لتدمير الاسلام. يضاف الى ذلك، ان صمت انصار الاصلاح ربما يكون السبب وراءه هو عدم رغبتهم في ان ينظر اليهم الآخرون كمروجين لأجندة اميركية الصنع.

اما السبيل الآخر أمام أميركا لترقية الاصلاح، فيتمثل في ابتعادها حتى تتمكن شعوب دول الشرق الاوسط من النظر بوضوح الى حقيقة ان الهند والصين وسري لانكا والفلبين باتت دولا متفوقة في مجالات، من ضمنها العلوم والهندسة.

عندما يركز العرب فقط على كيفية أداء هذه الدول ـ وليس أميركا ـ في عالم اليوم، فإنهم سيؤكدون مجددا على معاني وأهمية حديث الرسول حول طلب العلم ولو في الصين.

لم ازر الصين منذ عام 2001، ولكن من ضمن الأشياء التي لاحظتها هناك هو عدد النساء اللائي يبعن بطاقات محادثات الهواتف الجوالة. ففي الوقت الذي يستخدم فيه المتطرفون تكنولوجيا وبطاقات الهاتف الجوال في صنع القنابل، اصبحت الصين والهند مراكز جديدة لصناعة السيارات في العالم، فضلا عن اختراعهما لاستخدامات جديدة مربحة للهواتف الجوالة عبر الانترنت، اذ ليس من ضمن هذه الاستخدامات نسف وتفجير الاشياء والبشر.

ترى، كيف نبدأ إذاً جدلا صحيا ومعافى حول الإصلاح؟ لا يمكن بالطبع ان يكون هناك جدل مفيد وموضوعي طالما لا يزال لدى الناس شعور بالحصار. المؤرخون الجدد في اسرائيل ظهروا فقط خلال المحادثات حول اتفاقيات اوسلو. فعندما يشعر الشخص بأنه محاصر لا يمكن ان يبدأ جدلا او نقاشا مع أحد.

يمكن القول اننا في حاجة اذاً الى تسليم السلطة الى حكومة عراقية منتخبة وتقليص وجود قواتنا. اذا نجحنا في ذلك، اقترح ان تكون الخطوة التالية هي دعوة كل من الهند والصين للمشاركة في قمة الدول الصناعية الثماني وعقد القمة المقبلة اما في واحد من مراكز الوظائف التي نقلتها مختلف شركات الدول الصناعية الى الهند بسبب انخفاض تكاليف العمالة، او الى المنطقة الصناعية بشنغهاي، مع توجيه الدعوة الى العرب لحضور هذه القمة، علما بأن النظر للصين والهند في السابق كان على قدم المساوة مع الدولة العربية.

التغيير الحقيقي يحدث عندما ينظر الناس الى شيء أو مجال محدد في الجانب الذي يقارنون انفسهم به ثم يستخلصون النتائج بعد ذلك. أي ان التغيير الحقيقي لا يفرض فرضا. مهمة الولايات المتحدة تلخصت في القضاء على النظام القديم الذي كان سائدا في العراق ووضع الاسس لنشوء نظام جديد.

وأخيرا.. نحن الآن في حاجة الى تقليص الوجود الاميركي حتى يشعر الناس في العالمين العربي والاسلامي ان بوسعهم النظر بوضوح الى شيء ربما حجبنا نحن عنه الرؤية وتجاهلوه هم عن عمد، أي ان عالم اليوم يرغب في المزيد من الاستثمار في دول مثل الهند والفلبين وسري لانكا والصين. فاذا وجد هذا الواقع طريقه الى اذهان الناس، لا بد ان يجد الاصلاح طريقه ايضا الى الاذهان.