إهداء يجب ان يجيَّر لصاحبه (3) ـ الحاجة إلى عملية

TT

في مرحلة ما، تركنا جميعاً بيروت. وتركت خلفي في «الاسبوع العربي» تجربة بعضها مرَّ وبعضها جيد. لكن اهم ما فيها كان تعرفي الى جورج ابو عضل كناشر محترف وصاحب معرفة بالناس. وفي لندن التقيت ياسين رفاعية مرة اخرى. لم نكن في مكان واحد لكننا كنا في مدينة واحدة. غير انني طوال هذه السنين لم يصدف ان التقيت ايضاً مع زوجته امل الجراح. فقد كانت امل تعيش حياة غير طبيعية وغير اجتماعية بسبب القلب المعتل. ثم عدنا الى بيروت. وكنت اشاهد ياسين في «السيتي كافيه» باستمرار، ومعه كتاب، او اديب آخر، او حلقة من الصحافيين. ولكن لم يصدف مرة ان كانت امل هناك ايضاً. كنت احمله تحياتي وتحمّله تحياتها. وذات مساء اتصل بي ياسين بصوت قلق. شديد القلق. وقال لي ان امل في حاجة الى عملية جراحية عاجلة في مستشفى «كرومويل». حالتها الصحية شديدة التأزم وحالة العائلة المالية اشد حرجاً. وقال ان وفيق السعيد له مؤسسات في لندن وربما كان في امكانه احالة امل على المستشفى. وسألت ياسين، كم كلفة العملية، فقال 6 آلاف جنيه.

قلت لياسين محذراً: سوف احاول. لكن معرفتي بالرجل لا تتعدى اللقاءات العابرة والتحيات. وآخرها في مدينة حماة. على ان لنا صديقاً مشتركاً هو الديبلوماسي ناظم قضماني. وسوف اكلمه في باريس اليوم. اغلقت السماعة وكلمت ناظم. واغلق ناظم السماعة وكلم وفيق السعيد. واغلق وفيق السعيد السماعة وكلم امل الجراح في لندن، وقال لها ان فلاناً (الداعي) فاتحني بحاجتك الى عملية تكلف 6 آلاف جنيه. وانا مرسل اليك شيكا بسبعة آلاف. وقالت له امل، لست ادري كيف اشكرك. ولكن الحقيقة لا اعرف من اين جاء ياسين بهذا الرقم، فان تكاليف العملية هي 30 الف جنيه، وفي استطاعتك مراجعة ملفي في المستشفى.

قال لها وفيق السعيد، يؤسفني ان هذا ما تبلغت وهذا ما نويت وهذا ما التزمت. لكن عندي مسؤوليات لا تحصى في هذا الباب. فاذا استحال عليكم الامر، عودوا اليَّ. واتصل بي ياسين في اليوم التالي وقد اختلط القلق في صوته هذه المرة بالارتباك. وروى لي ماذا حدث. وقال ان الكلفة الحقيقية 30 الفاً تأمن منها حتى الآن سبعة آلاف.

اقسى لحظة في الحياة هي ان يضطر المرء الى الطلب. الاقل قسوة هو ان تطلب لسواك. الاسهل من ذلك هو ان يكون الطلب لحالة انسانية طارئة. وقلت لياسين، اعطني بعض الوقت. فالرقم ليس بسيطاً. ولا استطيع ان افاتح في الامر شخصاً لا يعرفك او لا يعرف امل. فالانسان ظنون. والبشري كائن ضعيف. وفي اي حال سوف اضع لائحة امامي ببعض الاسماء. واعدك بأنني سوف ابذل كل ما في وسعي لكن بعض الوقت. القليل منه على الاقل. فأنا مسافر غداً الى دبي، ولن يكون في استطاعتي مراجعة احد خلال هذه الفترة، بسبب الانهماك في جوائز الصحافة العربية التي يقدمها نادي دبي للصحافة.

وسافرت.

الى اللقاء